ثم ماذا بعد؟

    0
    155

    محجوب عروة

    جاءني ثائراً وقذف بالعمة ومفتاح السيارة على المقعد وقال وهو يستشيط غضباً: تصور لقد مررت على عدة محطات الوقود لأملأ سيارتي لأسابق الوقت من أجل العمل ووجدتها فارغة، ثم وقفت على صف طوله لا يقل عن كيلومتراً وانتظرت طويلاً بالساعات دون جدوى، كما مررت بعدة بنوك لأحصل على مبلغ زهيد لأشتري حاجات منزلي خاصة الخبز ولم أحصل على مبتغاي!! قل لي بربك ماذا أفعل هل أترك العمل لأتفرغ للحصول على الخبز والبنزين والمال من البنك؟ ما هو الحل؟ وأردف قائلاً لماذا لا يستقيل هؤلاء المسؤولون من أعلاهم إلى أدناهم وقد فشلوا بعد ثلاثين عاماً من توفير هذه السلع الأساسية، رغم الوعود والتصريحات التي لا تشبع جائعاً ولا تجعل المواطن يحس أنَّ له كرامة مثل بقية الشعوب؟ ثم قال لم يحدث مثل ما رأيت منذ الاستقلال من ندرة وارتفاع في الأسعار وصفوف مثل ما يحدث هذه الأيام، وكأننا لا نعيش في وطن يتمتع بهذا الغنى في موارده!! ما هو الحل في رأيك؟ قالوا جئنا لننقذ البلاد والعباد فإذا العباد يتمنون من الله لأن ينقذهم!!

    قلتُ له إنَّ الحل في غاية البساطة لو فقط ارتفعنا جميعاً إلى مستوى المسؤولية، واتخذنا من المصالح الوطنية منهجاً بديلاً للمصالح الشخصية والحزبية والجهوية التي كانت ولا زالت، هي التي دفعتنا إلى هذا النفق المظلم وهذا التردي الاقتصادي والاحتقان والانسداد السياسي.

    نعم سيكون الحل سهلاً إذا اتخذنا المصالح الوطنية العليا منهجاً وليس ما نحن فيه من مماحكات ومكايدات وصراعات بائسة، من أجل السلطة والرغبات الشخصية وجلسنا كمواطنين وقادة محترمين وأحزاب مسؤولة ورجال دولة من الطراز الأول، لنعالج قضايانا بالكفاءة والأمانة اللازمة لا هذه العشوائية التي لازمتنا..

    في تقديري الشخصي هذا الوطن بلد غني جداً يستطيع أن يجعل أبناءه يعيشون أفضل عيشة وبكرامة، لا كما نشاهده اليوم من مهانة وفقر وذل وركود اقتصادي، ولكن للأسف أضعنا الأموال التي منّ الله بها علينا من عائدات البترول والآن من الذهب، بددناها في الصرف على الحروب بسبب العجز عن الحلول السياسية، وفي ترهل سياسي وسيادي وإداري ضخم، بل اختطفتها القطط السمان عبر (النهب المصلح) فساداً مالياً تركه هؤلاء المفسدون واللصوص خارج الوطن. وليتهم استثمروا تلك الأموال داخل الوطن مثلما ساهم ضياع الأموال حركات (النهب المسلح) بسبب عنادهم. لم نصرف عائدات البترول في التنمية الاقتصادية وفي القطاعات المنتجة، بل في الأثاثات الفاخرة لمكاتب المسؤولين من الوزراء والولاة والمعتمدين، وفي المجالس التشريعية الولائية وفي المؤتمرات الداخلية والخارجية التي لم نستفد منها، وفي الاحتفالات والمهرجانات والحشود الهتافية الفارغة وما أكثرها.. وحتى عندما صرفنا بعضها في مشروعات كانت كلفتها تفوق التكلفة الحقيقية أضعافاً أضعافاً، ليذهب غالبها حراماً لتلك الجيوب والبطون التي لا تشبع!!

    قال لي أحد المراقبين لو لم تكن لنا حكومة لتوفرت الضرورات وبأقل الأسعار مثلما يحدث في الصومال التي أدار فيها الشعب شئونه بنفسه.. هل نجرب تجربة الصومال يا ترى؟ ربما كان ذلك أفضل.

    التيار