أزمات البلد والعلاج بالوهم

    0
    195

    أسماء جمعة

    لم يحدث في تاريخ حكومة الإنقاذ بجميع مسمياتها وتشكيلاتها وإئتلافاتها، أن قامت بحل مشكلة من مشاكل السودان بطريقة منطقية وعلمية لدرجة أن شعر المواطن بانفراج في حياته، ولكنها دائماً ما تتسبب في تعقيد المشاكل حتى تأزمت جميع نواحي الحياة وضاق هذا الوطن العريض الوريف الخيِّر على أهله، وتراكمت الأزمات فوق بعضها حتى ناء عن حملها، والآن أوقفته في طريق مسدود لا تعرف ماذا تفعل غير أن تتحدث عن عهود وأمنيات كاذبات.

    مشاكل أية دولة لا تعالج بالكلام ولا التصريحات ولا التغريدات مهما كانت لطيفة وجميلة، ولا بالمحاكاة والاستعانة بتجارب الآخرين والخداع والابتزاز العاطفي والتلاعب بالمشاعر، وإنما بناء على واقع الدولة ومميزاتها وخصوصيتها وبالصدق والنزاهة والعقلانية، ولكن الحكومة تعودت أن تستعين بكل طريقة تعتقد إنها تجعل المواطن يعيش هذه اللحظات من الأمل الكاذب ينتظر فرجاً لن تأتي به فالوهم لا يعالج أزمات الوطن.

    منذ أن بدأت أزمة السيولة وانهيار العملة الوطنية في الاستفحال في منتصف العام الماضي، والسادة وزراء المالية كل منهم يتحدث عن الداء و الدواء بطريقة تنم عن العجز و يبررون لها بأشياء لا يصدقها العقل حتى إنه أحياناً يخيل لنا إنهم عُيِّنوا لإنتاج المشاكل الاقتصادية وليس لحلها، وعلى قول المثل (البجيبو فزع كلو ببقى وجع) فخلال أقل من عامين جاء ثلاثة وزراء مالية إثنان رحلوا بسبب الفشل والثالث ما زال ماضياً في دربهم.

    السيد وزير المالية معتز موسى، منذ أن باشر عمله وهو يصرح كل يوم بأنه سيفعل ويفعل لحل مشكلة السيولة والتضخم وانهيار العملة، ولكن مع صباح كل يوم جديد نكتشف أن الأزمة تكمن فيهم وإن لا حل سيأتي منهم، وعدنا سيادته بأن يحل مشكلة السيولة ولم يفعل، كل الذي فعله طبع أوراقاً مالية و(شتتها) في الصرافات وجلس يراقب (مكابسة المواطنين) التي ما زالت مستمرة، ولضبط الدولار المنفلت كما يحلو لهم أن يقولوا، جعل له لجنة أسماها صناع السوق لم يهتم أحد بما تفعل فما زالت العملة الوطنية تواصل السقوط أمام العملات الأجنبية، وها هو الدولار يصل 58 جنيهاً وغداً سيصل الــ60، وبعد غدٍ كما يقول الظرفاء سيغادر شارع الستين إلى شارع الهواء حيث لن تسطيع الحكومة إعادته مرة أخرى، هذا غير أن التضخم مستمر والأسعار متصاعدة والمواطن يحترق. عموماً على السيد وزير المالية ان يكف عن التصريحات والتغريدات التي لا تعكس لنا غير عمق الأزمة في المؤسسة الاقتصادية والقائمين على أمرها، فهذا التقليد الذي يمضي عليه المسؤولون في الدول الديمقراطية لا يشبه احداً من حكومة المؤتمر الوطني التي فقد فيها المواطن الثقة ويعتبر كل ما تقوله ما هو إلا استفزاز وعدم احترام لعقله، إن كان السيد معتز لديه ما يقدمه لحل الأزمة فليعمل بصمت ويجعلنا نشعر بما يفعل فعمر التصريحات لا تعالج مشكلة.

    مشكلة السودان الاقتصادية لن يحلها كلام الليل الذي يمحوه الصباح ولا كلام الصباح الذي يدفنه الليل ولا التغريدات الجميلة والتصريحات المنمقة التي تبث في وسائل التواصل وتنقلها الصحف، بل تحتاج مسؤولين يشعرون بالمسؤولية ويفكرون في السودان على أساس إنه حق عام لشعبه ويعملون بصمت وصدق ونكران ذات ولا يعالجون أزمات الوطن بالوهم.

    التيار