مدارس خاصّة (قدّر ظروفك)

0
609

بعد حادثة مدرسة الصديق الخاصة التي راح ضحيتها ثلاث تلميذات وأُصيب عدد آخر، أمر والي ولاية الخرطوم بتشكيل لجنة لمراجعة البيئة المدرسية في المدارس الخاصة بجميع المحليات السبع، وذلك وفق معايير وضوابط واشتراطات محددة ومُلزمة للمدارس الخاصة لتكون الشرط الأساسي لاستمرار نشاط المؤسسة أو المدرسة، وكان الوالي يقول إنّه لا تُوجد ضوابط ولا اشتراطات ويجب أن تُوضع الآن، ويبدو أنّ الأمر صحيحٌ لأنّ أغلب المدارس الخاصّة في الأحياء الفقيرة مبنية على طريقة (قدِّر ظُروفك)، فهناك مدارس رسومها السنوية ما بين ?خمسة إلى عشرة? آلاف جنيه فقط، وهي لا تختلف من المدارس الحكومية كثيراً إلاّ في القليل من الاهتمام الذي يجده الطلاب، فكيف تسير المدارس؟

تقول الحكمة السودانية إذا أردت قتل قضية فَكوِّن لها لجنة، وذلك لأنّه ليست هناك قضية كُوِّنت لها لجنة خرجت بنتيجة لمصلحة القضية وما أكثرها من قضايا ولجان، ولكن هي مُجرّد مسرحية لإسكات المُواطنين وإشعارهم أنّ الحكومة مُهتمة بمَصلحتهم حتى يطوي القضية النسيان أو اليأس، ويكفي لجنة التّعليم بالبرلمان والتي تقف عاجزةً أمام سطوة الحكومة، فهي فقط تناقش وتدعو وتنتقد، بل البرلمان نفسه كمُؤسّسة عاجز للدفاع عن قضايا التعليم الذي لا تصرف عليه الحكومة بالمَرّة.
السؤال المُهم الذي يطرح نفسه الآن، هل تُوجد شُروطٌ لتأسيس المدارس الخاصة أم هي رسوم فقط يدفعها كل من أراد ان يفتح مدرسة، أي أن الرسوم هي الشرط الوحيد؟ فحال المدارس الخاصة يُغني عن السؤال وقد أصبحت مثل المحلات التجارية منشرة بطريقة لا تتوافق مع الأحياء، ولا شك أن هذا يُفسِّر أنّ الحصول على التصديق أمرٌ سهلٌ ولا أحد يهتم بكيف ولا أين تُقام المدارس، وليس أدل على ذلك أكثر مِمّا قاله اتحاد المَدارس الخَاصّة الذي أشار في بيانٍ له إلى أنه سبق وأن طالب بإشراكه في استخراج التصاديق الجديدة وظل في انتظار رد الوزارة منذ أبريل 2016، مُتّهماً الوزارة باستخراج ?تصاديق إكرامية? من غير ضوابط، مِمّا يعني أنّ هناك من يجدون المُعاملة الخاصة التي تبيح لهم ارتكاب المُخالفات.

طبعاً كل هذا لا ينفي وجود مدارس ذات مستوى رفيع في كل شيء وهذه تقدم خدماتها للطبقة الغنية التي يمثل أغلبها ناس الحكومة والمؤتمر الوطني!!
خلاصة القول، الموضوع لا يحتاج إلى لجنة لمُراجعة المدارس، بل يحتاج إلى قرار لمراجعة التصاديق الإكرامية التي ذكرها اتحاد المدارس الخاصة والعمل على تأهيل وتقوية ودعم المدارس الحكومية في الأحياء الشعبية لتعود سيرتها الأولى.. انتشار المدارس الخاصّة بهذا المُستوى إن دل إنّما يدل على أن السودان لم يعد يملك نظام تعليم يسير وفقاً لسياسات وأهداف واضحة، وإنما أصبح تجارة غير مُنضبطة يُمارسها كل من يُريد التّكسُّب.

المدرسة التي وقع بها الحادث يبدو أنّها مدرسة من النوع (قدِّر ظُرُوفك) ومثلها كثير جداً في الأحياء الشعبية، بل هناك ما هو أسوأ، ولكن المواطنون مُجبرون على تعليم أبنائهم فيها مع أنه ليس هناك مواطن قادرٌ على تعليم أطفاله حتى في هذا النوع من المدارس، والذي أجبرهم على المُـــــر هو الأمرّ منه.!

التيار