جاء في سفر أرنولد تويبني بعنوان تاريخ الحضارات ان قدماء المصريين والدينكا والشلك والنوير كانوا قبائل أفريقية سوداء تعيش في الصحراء الكبرى التي كانت أرضا مطيرة غنية بالمياه والغابات، وهو كلام تدعمه رسومات الثدييات التي لا تستطيع الحياة الا في أرض غنية بالمياه والأعشاب، وتوجد هذه الرسومات علي جدران الكهوف والصخور بالاضافة الي عظام الأسماك والصدف والقواقع وهياكل الدينوصورات والبحيرة الجوفية الكبرى الممتدة الي كردفان ودارفور والاقليم الشمالي،
وأذكر أن الخبراء أفتوا للقذافي بأن النهر الصناعي سينضب في خمسين عاما، وتوقفت السواقي في كسلا التي كانت تعتمد علي المياه السطحية وفي عصر الديزل تحول المزارعون الي الآبار الأرتوازية التي كان عمقها يزداد عاما بعد عام وأصبحت مدينة كسلا مهددة الآن بالعطش بسبب استزاف المياه الجوفية، وفي صحراء نيفادا أكتشفت بحيرة جوفية كبرى فازدهرت المزارع التي كانت تصدر الفواكه والخضروات الي كل أنحاء الولايات المتحدة الي أن أستنزفت البحيرة وأصبحت مدنها هياكل أثرية دفنتها الرمال، وجاء في سفر تويبني ان قد ماء المصريين هاجروا شرقا الي دلتا النيل أما الدينكا والنوير والشلك فتوجهوا جنوبا هربا من الجفاف والتصحر، وجاء أيضا ان قدماء المصريين واجهوا تحديات كبرى بسبب المستنقعات والغابات وان كل الحضارات قامت علي أنقاض حضارات سابقة ما عدا الحضارة المصرية التي نشأت من العدم، وحتي عصر امرء القيس ولبيد وذو الرمة والشماخ كانت الجزيرة العربية أرضا مطيرة تعيش فيهاالأبقار والحمر الوحشية بدليل السيل الذى لم يترك بتيماء جزع نخلة ولا أطما الا مشيدا بجندل وظباء وجرة عطفا أرآمها، وحتي عصر المتنبيء كانت الأسود تعيش في صحراء الأردن وورد اذا ورد البحيرة شاربا ورد الفرات زئيره والنيل، وجاء في مذكرات سائح فرنسي أنه في الطريق من كسلا الي عطبرة عبر غابة حافلة بالأفيال والفيل لا يعيش الا في منطقة غنية بالمياه والأعشاب وتوجد غابة بين القضارف والشواك لاتزال تعرف بغابة الفيل وازالتها ادارة السدود لانشاء مطار خاص بمشروع خزان أعالي نهر عطبرة ، وأذكر أنني أيام الدراسة سافرت علي ظهر لورى علي طريق ذلك السائح من موقف اللوارى بالخرطوم بحرى عبر البطانة الي كسلا ولم أرسوى الشجريات الصحراوية المتفرقة، ومن ذلك شاعر البطانة وشجيرات الحسن راحن خلاص وانجزن وارينبات الشقل بكن اللبيتر وعزن وديك ناس حلفا فوق راسل المعيقل أذن، واللبيتر والمعيقل جبلان في صحراء البطانة، وحتي الستينيات من القرن الماضي كانت كردفان تعرف بكردفان الغرة أم خيرا برة، وأذكر ان الدكتور أحمد صالح فضل رئيس محطة الأبحاث الزراعية قال لي ان سجلات المحطة حتي الستينيات تشير الي أن الخريف كان 11 شهرا ولا يسجل شهر ديسمبر أمطارا تستحق الذكر، وكانت صحراء الشمال أرضا مطيرة يكركر رعدها ديمة سماها عكير السمح مرعاك يا قش التحاجير والشاعر شاهد علي العصر، وكان الناس يزرعون الذرة في النقع غرب المتمة والأراضي الخصبة في عتامير الشمال، فهل كانت الصحراء تزحف جنوبا منذ آلاف السنين لأسباب لا دخل للانسان فيها ؟ فلم يكن للانسان تأثير في تلك العصور السحيقة، وقال مزارع استرالي عجوز ان ما يعرف بالاحتباس الحراراى دورات مناخية، وأعلن العلماء ان ثقب الأوزون بدأ يتعافي، ويقول أهلنا في دار فور ان الحياة تفلق وتداوى، وفي القرن التاسع عشر ثار بركان في أندونيسيا واختفي ضوء الشمس بسبب انتشار الغبار البركان وتسبب ذلك في سنة جليدية لكن الطبيعة سرعانما تعافت بعودة الشمس الي الظهور، وكم من الغابات كانت تحترق بفعل البرق عبرآلاف السنين ويتصاعد منها ثاني اكسيد الكربون الي الفضاء الخارجي؟ ويتميّز ابن كثير في البداية والنهاية بذكر الأحداث السياسية والمناخية سنة بسنة وفي نهايات القرن العاشر تجمد نهر النيل في مصر، وكذلك تاريخ عبدالرحمن الجبرتي يوميات سياسية واجتماعية ويذكرني بنجيب محفوظ وأسامة أنور عكاشة وأبو الفرج في كتاب الأغاني، وأذكر أن درجة الحرارة في دنقلا وأبوحمد في فصل الشتاء كانت تنخفض الي درجة الصفر، وجاء في نشرة علمية ان السودان سيكون أول دولة ستختفي من الوجود ويتحول الي أرض بلا شعب بسبب ارتفاع درجة الحرارة والعواصف الرملية، لكن أهلنا في شرق السودان كانوا يزعمون ان انخفاض درجة الحرارة في الشتاء والهبباى في الصيف بشارة خير بخريف مطير، وعندما كنا صغارا بالمناصير كانوا يشعلون النار داخل غرف النوم بسبب شدة البرد.
في بحيرة المناصير اصبحت الزوارق السريعة تعمل بين القرى كالحافلات في الخراطيم، ورأيت أثار الأمواج في أعالي الجبال الكلسية فأدركت السر في خصوبة الأرض بمناطق المهجرين فقد تكونت أراض السواقي بتراكم الطمي عبر آلاف السنين الخوالي بدليل أن انتاج الفدان من القمح كان ينراوح بين 35 و40 جوالا، وكذلك انتاج الفدان من الذرة بدلتا القاش مقابل 7 جوالات في القضارف، وفي عهد الادارة البريطانية كانت زراعة القطن تعتمد علي تقاوى القطن بمشروع القاش الزراعي، وكان للمهجرين صنف من القمح يتوارثونه له نكهة وطعم خاص، وفي السودان أول محطة للأبحاث الزراعية في أفريقيا والشرق الأوسط ولا زلنا نستورد التقاوى، وكان يقال في سوق المحصولات بأمدرمان العجوة رباطاب والشمار مناصير فقد اشتهر المهجرون بانتاج أفضل أنواع الشمار للتصدير، وابتلعت البحيرة 300 ألف نخلة منها أصناف فاخرة لا توجد الا بمناطق المهجرين كما ابتلعت مقابر ومواقع أثرية تحتوى علي كثير من المعلومات التاريخية، وأذكر ان رئيسة تحرير جريدة الميدان رفضت نشر مقالاتي حول ألاعيب ادارة السدود والعمل خارج القانون والأساليب الفاسدة لاجبار المهجرين علي الرحيل من شاطىء النيل الي الصحراء لشيء في نفس يعقوب وشنآن قوم، والنمل الذى أكل ميزانية الخزان فتضاعفت بنسبة 200% واحتجت رئيسة تحرير جريدة الميدان بأنه نزاع قبلي ولم تهتم بقراءة المقالات للحكم لها أو عليها، وربما كانت تتطلع الي اعلانات ادارة السدود، وعبثا حاولت اقناعها بأن حكاية النزاع القبلي من اخراجات اعلام ادارة السدود وأبواق النظام لتحييد الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والمجتمع الدولي ومنظمات حقوق الانسان، وان القضية في حقيقتها قضية حقوقية وانسانية ومصيرية، وانصرف الحزبان الطائفيان الي الصراع علي السلطة كتركة خلفها الاستعمار الي أن جاء الترابيون فكانو كالثور في مستودع الخزف والديك في عنقريب العدة، وعجوبة الخربت سوبا، والبصيرة أم حمد التي كسرت الجرة وذبحت العجل، ونيرون الذى أحرق روما، وشمسون الجبار الذى هد المعبد عليه وعلي أعدائه، وغارون التاجر اليهودى الذى انحاز الي الفرعون ضد موسي، وتاجر البندقية ورطل من لحم المدين، واللص في البستان يهز الاغصان بعنف فتتساقط الثمار النيئة والناضجة وتتكسر الاغصان وتموت الأشجار، واللص في غياب أهل المنزل يحطم الدواليب والأدراج بحثا عن صرة الذهب، وعصابة مافيوية استولت علي بلد واستعبدت شعبه واستغلتة استغلالا بشعا، لكن حزب الأمة والحق يقال اهتم بالجانب الحقوقي والانساني وليس البعد البيئي، وتبني قضية المناصير ونظم لها السمنارات والمؤتمرات الصحفية وأرسل وفدا برئاسة المرحوم الدكتور عبد النبي للتعزية في شهداء أمرى، لكن حزب الأمة لم يسجل أى موقف ضدر الزراعة الألية التي تمددت في جبال النوبة والنيل الأزرق والقضارف علي حساب الرعاة وصغار المزارعين والغابا ت والمجالات الحيوية للحياة البرية وانهيار محمية الردوم ومحمية الدندر وقد أصبح المزارعون عمالا زراعيين في أرضهم، أما الاتحادى الديموقراطي فلم يكن موقفه يختلف عن موقف رئيسة تحرير جريدة الميدان طمعا في المشاركة في السلطة والمناصب والمخصصات الي أن أصبح اسما بلا مسمي وقبة بلا فكي،.وأذكر أنني كنت وسيطا بين لجنة المهجرين وعلي محمود حسنين وحضر عثمان المقدوم متخفيا وكان الدكتور ابراهيم الأمين الأمين العام لحزب الأمة حاضرا في ذلك اللقاء ووعد علي محمود بتولي قضايا المهجرين القانونية مجانا مع تخصيص غرفة بمكتبه مقرا للجنتهم التنفيذية، لكن اللجنة كانت تتخوف من عواقب تسييس قضية المهجرين وتسييس أعضاء اللجنة.
[email][email protected][/email]