نبض المجالس
ما الذي تنتظره الحكومة لو أنها جادة وعازمة على خوض الحرب ضد بؤر الفساد وأوكاره لطالما أقرت على المستوى “الرئاسي” أن هناك فعلاً أموال منهوبة وقطط سمان حرة “طليقة”.
كل الشواهد والأدلة التي تثبت فرضية الفساد ملقاة على قارعة الطريق وبيِّنة كالشمس في رابعة النهار، فقط المطلوب هو أن تحيل الحكومة دعوتها للحرب إلى مواجهة قانونية وجنائية على أن تكون هذه الحرب بالقصاص والسيف والنار وليس “بأسياف العشر” فالحكومة في أشد الحاجة لإعادة ثقتها المفقودة لدى مواطنيها، فعليها أن تمضي قدماً بخطوات عملية لشن هذه الحرب، فالميدان الآن مهيأ تماماً وهذه ربما الفرصة الأخيرة للحكومة حتى يأخذ الأخرين حديثها عن الفساد مأخذ الجد .
على الحكومة أن تبدأ الحرب على نفسها أولاً من داخل “بيتها” وبإرادة قوية، لأن الفاسدين قد بنوا لنفسهم إمبراطوريات محصَّنة ضد كل من يحاول النيل منها أو العمل على تفكيكها وزلزلة أركانها من الداخل، إلا إذا كانت هذه الحكومة لديها من القدرة ما يكفي لإنفاذ القانون وإعمال مبدأ “من أين لك هذا” دون محاباة أو تسويف، خصوصاً وقتها ستمتلئ المحاكم وتفيض “بالقطط السمان”، خصوصاً أن الحكومة يبدو أن لديها من الحقائق والأدلة والأسماء التي تجبرها على إعلان هذه الحرب، ولكن يظل المحك في الكيفية التي يُطبَّق بها القانون .
بعض المتشائمين يعتقدون أن هذا المظهر الجديد للحكومة عبر إعلانها لمطاردة “شبح الفساد” هو مجرَّد حالة مزاجية تتلبس الحكومة كلما اشتدت عليها العاتيات وأحكمت على رقابها الأزمات، ولهذا لا يبدو أن هناك إرادة غالبة لاسترداد كل ما هو منهوب من الحق العام، كنا نظن أو أولى الخطوات العملية التي يمكن أن تقدم عليها الحكومة أن تعلن تشكيل مفوَّضية مكافحة الفساد التي طال انتظارها رغم إجازة قانونها، فكان من الأجدى والأنفع للحكومة أن تسرع خطاها في استكمال مطلوبات هذه المفوَّضية على أن يكون اختيار العناصر القانونية على أسس قومية ومعايير مهنية ذات كفاءة وقدرة ونزاهة تمكِّنها من إصدار أحكامها وقراراتها بعدالة وشفافية، على أن تعطي هذه المفوَّضية كامل التفويض والاستقلالية في تلقي شكاوى الحق العام وتوجيه الاتهامات ومطاردة شبكات الفساد المالي والإداري كافة وضرب مراكز القوى والمحسوبية داخل مفاصل الحكومة بلا هوادة، فالدولة القوية لا تُبنى إلا بالقرارات القوية، فإذا لم تتوفر كل هذه المعطيات والمكوِّنات في مشروع الحرب القادمة على الفساد فإن هذه “القطط السمان” ستصبح “غولاً” يلتهم كل ما تبَّقى من حق الدولة وفتاتها .
[email][email protected][/email]