برغم تأكيد السيد الصادق المهدي على اتجاهه لرفع يده عن العمل الحزبي والتفرغ للفكر والتحليل لقضايا السياسة بمضمونها الإقليمي والدولي، إلا أنه حين يؤكد في الوقت نفسه ومنذ الآن على موقف محدد مسبقاً لحزب الأمة في انتخابات 2020 فإن ذلك يعني أنه حتى ولو أعلن رفع يده غداً عن العمل الحزبي فسيكون قد قرر للحزب موقفه من حدث أساسي بحجم المشاركة والمقاطعة للانتخابات التي ستجرى بعد عامين من الآن.. فماذا سيتبقى من العمل الحزبي للقادم البديل تحت سقف المقاطعة؟
فقهاء السياسة يقولون إن الأحزاب السياسية الناجحة هي التي ترفد الوطن بالكوادر التنفيذية التي تساهم في عملية البناء والتنمية وهي التي تقدم القيادات السياسية للبلاد وبذلك فإن استمرار وتكرار مقاطعة حزب مثل حزب الأمة للانتخابات في كل مرة سيجعل هذا الحزب في مخيلة الأجيال الجديدة مجرد لافتة لا يفهمون لها دوراً مؤثراً..
حزب يظل أكثر من ثلاثين سنة خارج حلبات المنافسة الانتخابية يفقد الكثير جداً من حجمه وقدرته حتى على تواصل مسيرة بناء وإعداد الكوادر التي يمكن أن تخدم المجتمع وتقدم دورها الوطني.
المقاطعة المتكررة للانتخابات يدفع ثمنها الحزب المقاطع بقيمة أعلى من التي يخسرها النظام الحاكم، وإذا كان جيل الزعيم الصادق المهدي في حزب الأمة قد خاض تجربته التاريخية وأخذ نصيبه من الحياة السياسية في مراحل مختلفة من التاريخ، فإن هناك أجيالا أخرى في هذا الحزب تحتاج لأن تجرب نفسها ولو مرة واحدة وتطور قدراتها وتقدم دورها فلماذا يصادر قادة الحزب الفرصة من أمامهم بنوع من الأنانية كونهم كقادة لا يحتاجون لخوض تجربة جديدة ولم يتبق لهم في العمر وقت لبدايات جديدة كما يقول الشاعر؟.
أقول إن قرار مقاطعة الأحزاب للانتخابات بشكل متكرر لا يساهم في تطوير الفعل الانتخابي الذي يرونه غير مطابق للمواصفات أكثر من كونهم يعمقون هوة الانعزال والخروج الكامل لهذا الحزب من ذاكرة الأحداث وذاكرة الفعل الوطني متعدد الأوجه والمتواصل.
جماعة الإخوان المسلمين في مصر يحسب لها أيام حسني مبارك أنها برغم تنكيل ومطاردة نظام مبارك لها ولقياداتها وتحجيم العمل السياسي لكنها كانت تستغل ما يتاح أمامها من فرص وتشارك مشاركة لها فوائدها ولها ثمنها في نفس الوقت لكنهم كانوا في الكثير من الأحيان يغلبون الفائدة على الثمن الذي يدفعونه وبذلك خرجت الجماعة كوادر استطاعت أن تختطف الفوز في أول انتخابات حقيقية بعد سقوط مبارك وقدمت للقيادة رئيساً كانت له تجربته ومشاركته داخل الجهاز التشريعي في عهد مبارك نفسه (مجلس الشعب).. ثم حدث ما حدث بعد ذلك.
المطلوب أن ينبته حزب الأمة والشيوعي والبعث وغيرها إلى فاتورة العزلة وإلى أن الأحزاب مثلها مثل البشر تشيب وتشيخ وتفقد الذاكرة بتقدم العمر خاصة حين تختار لنفسها موقف مقاطعة طويلة ومتكررة للحياة السياسة..
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.
اليوم التالى