في كل مرة تستوقفني آية في كتاب الله؛ أقف عندها مشفقاً على نفسي وزملائي من قبيلة الكُتَّاب الصُحفيين.. صحيح أن الآية تتحدث عن أحبار اليهود الذين يخفون الحق وهم يعلمون، ولكنهم يميلون وينحرفون عن هذا الحق طمعاً في “ثمن” التحريف وتشويه الحقائق.. وتوعَّد المولى عزَّ وجلَّ هؤلاء في قوله تعالى: (ويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون).
وجه الشبه بين أحبار اليهود الذين يلوون عنق الحقيقة ويزوِّرونها ويحرِّفون الكلم عن مواضعه بعد ما تبيَّن لهم الحق، وبين كُتَّاب صُحفيين جنَّدوا أنفسهم للدفاع عن الباطل، وتقديم المرافعات المنمَّقة لمناصرة المفسدين، وتلميع الفاشلين.. وجه الشبه بين الطرفين ــ في رأيي ــ هو تزييف الحقائق، وتزيين الباطل، وإخفاء الحق، وإلباس الباطل لبوس الحق ليراه الناس حسناً.
قبل فترة؛ شنَّ وزير الصحة بولاية الخرطوم البروف مأمون حميدة هجوماً قاسياً على هذا النوع من الكُتَّاب، وشبَّه أعمدتهم بـ”الشقق المفروشة” المبذولة للإيجار، (يعني يستاهل اللي يدفع أكتر).
ثمة أمر آخر؛ وهو أن هناك رابط آخر بين الطرفين، وهو أن كلاهما، وبحكم وظيفتهما ومكانتهما في المجتمع، وبحكم ما يناط بهما من توجيه وقيادة وتوعية للرأي العام، أن الطرفين ــ أي بعض الأحبار والكُتَّاب ــ وجد نفسه يعمل في وظيفة (مصحح) لـ”كراسات” الآخرين، أو يلعب دوراً مثل دور فاتن حمامة في مسلسل “ضمير أبلة حكمت”، لذلك تراه ومع إخفاء الحق الذي يعلمه يمارس دور الأستاذية على الجميع.
فويل لنا مما كتبت أيدينا.. إن لم نقف مع الحق ونناصره متى ما أدركنا أنه الحق، واستيقنته أنفسنا …
وويل مما كتبت أيدينا.. إن لم نجاهر بكلمة حق في وجه كل سلطان جائر، وفي وجه كل ذي شوكة…
الويل كل الويل لنا.. إن لم نتحسس آلام الغلابى والمحرومين، ونكتب بلسان المقهورين والمظلومين والخائفين والباحثين عن الأمان في وادٍ تقطنه الذئاب..
وويل لنا مما كتبت أيدينا.. إن لم نعبِّر عن تطلعات الأمة ومطالبها المشروعة في العيش الكريم، والحرية، والكرامة، والعدالة الاجتماعية، والحكم الرشيد..
وويل لنا مما كتبت أيدينا.. إن شاركنا في حملات الدعاية للأنظمة السياسية الباطشة، ووضع المساحيق على وجهها الكالح.. اللهم هذا قسمي فيما أملك…
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين..
الصيحة
بخٍ.. بخٍ يا أحمد يوسف التاي!
يا ليت قومك يفقهون هذا الحديث وهم كثر في هذه الراكوبة تنطبق عليهم كل كلمة وحرف سطرته وأن يفوقوا من غفلتهم وخوفهم من ذي الشوكة من حكامهم او طمعهم في ما عندهم من مكافاءات دنيوية بائسة، فهم في غفلتهم لا يتورعون عن تبرير ازهاق أرواح البسطاء العزل من عباد الله كما حدث في معسكر كلمة وعم بعده كافة معسكرات اللاجئين النازحين أمام هجمات التتار زجنجويد العرزبويين الموعودين باحلالهم ديار الزرقة كل ذلك لتفريغها ليقال كذبا بعودة النازحين الى قراهم بطرد اهلها تارة بالقتل بالرصاص والاغتصاب وتارة بنشر الأوبئة والأمراض الفتاكة في موارد شربهم وطعامهم كما يحدث هذه الأيام ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون ولكن هؤلاء الكتاب الراتبين يكتبون ويحرفون الكلم عن مواضعه مداهنة للسلطان ضاربين عرض الحائط بأرواح الغلابة ووعيد ربهم لقاء دريهمات في دنيا زائلة يعقبها الخسران المبين والعذاب المقيم لمن خسر نغسه وباعها لشيطان السلطان الرجيم!