في بلدان العالم المتحضرة ، يصبح المواطن وزيراً بناء علي سيرته الذاتية وبرنامج حزبه ، ويمارس وظيفته كأي موظف حكومي بمرتب شهري ، وتنشر الصحف دخله السنوي ، ويتعرض للنقد أو الإقالة متي ما استخدم وظيفته في الكسب غير المشروع .
وفي بلدنا علي عهد ( الكيزان) ، صار كرسي الوزارة قنطرة للثراء والنفوذ ، حيث الإمتيازات الكبيرة ، والبطانة الواسعة ويصبح المواطن وزيراً حسب قربه من أصحاب النفوذ وحسب ( حلقومه) وبينهما أمور مشتبهات .
ولا يقف الوزير في صف المواهي أمام الصراف ، زي باقي الموظفين ، لأن مرتب الوزير سر من أسرار الدولة
ولا يتحرك من مكتبه ، إلا وسط أسطول من العربات المظللة والمججة بالسلاح ، ومن حولها عربات النجدة والمواتر ، فاحسب التكلفة العالية لمشاوير الوزير حتي وإن كانت بلا فائدة .
ولا يسكن الوزراء في الأحياء العادية ، أو بيوت الدرجة الثانية ، بل في أحياء راقية ، وبالطبع لا يدفعون قيمة الماء والكهرباء ولا رسوم النفايات والعوائد ، فاجمع هذه النفقات مع مرتبه السري وانظر كيف تفلس الخزينة العامة .
وكل وزير عضو في مجالس إدارات مؤسسات ، لا بسبب عبقريته ، بل لأن وجوده يفتح لتلك المؤسسات الأبواب المغلقة ، وينال حوافز وإكراميات نظير وجوده الصوري في تلك المجالس ، أجمع واطرح لتعرف سر عجز الموازنة العامة .
ولكل وزير بدلات ، وعلاوات ونثريات وتذاكر سفر تنهمر عليه من الميزانية العامة ، فتضفي علي جسمه شحماً وودكاً لا يحلم به الهدندوة العطشي في الشرق .
ولكن مع ذلك فالوزير في بلدنا تعبااان ، ولو أتي ( حتة) مستثمر علي رأسه عقال ، وفي جيبه دفتر شيكات ، ينزل الوزير من برجه العاجي ، ويطوف مع المستثمر المزعوم في القري والبوادي يوزع البسمات المجانية ، وربما شال الطورية ليقنع الأجنبي بأنه ( تربال بن تربال).
ولو زار الرئيس قرية نائية ، سبقه الوزير ، وهيأ له الجو ، وانتظره مع جوقة الهتيفة ، والفرقة الموسيقية
ولو كان الوزير في سابع نومة ، فسينهض مذعوراً حالما يسمع النداء ( أقفل البلف) ، فتتوالي الإتصالات ، وتحرر الخطابات وتنعقد المؤتمرات من أجل هذا البلف العجيب الذي كلف الدولة أموالاً كان يمكنها أن تقضي علي السل والملاريا في القضارف وعسلاية .
ومن كترة تعب الوزير ، فإنه لا يلام ولو نام في مكتبه أثناء العمل الرسمي ، أو غاب عن البرلمان الحكومي . ولو نقنق بعض الناس حول أداء الوزير وسمعته فسيرد السدنة والتنابلة ( الوزير وزيرنا كيّة للمابينا) .
الميدان