الروائي أحمد الملك: كتب أحدهم نقداً لروايتي الأولى فشعرت بالرعب

0
8
احمد الملك
أحمد الملك

حوار- بابكر عثمان

(من دنقلا إلى أمستردام) هذه ليست عنواناً لقصةكتبها الروائي أحمد الملك ولكنها عنوان يحكي قصة الروائي المهاجر إلى هولندا، أستاذ اللغة الانجليزية (أحمد الملك) نفسه، فعقب تخرجه في جامعة القاهرة فرع الخرطوم عام 1991 أصدر أول رواية له بعنوان (الفرقة الموسيقية) وكانت رواية رمزية فيها حنين وتبجيل للفترة الديمقراطية التي عاشها السودان خلال الأعواممن 1985-19989، ويبدو أن ذلك الحنين أخذه بعيداً من الخرطوم إلى دنقلا حيث عمل أستاذاً للغة الانجليزية في مدرسة شعبية ومنها وفي عام 1998 تخطى كل الحواجز وهاجر إلى أمستردام في هولندا والتي مازال يعيش فيها وينشر روايات وقصصاً قصيرة، ويبشر بمولد أدب سوداني يتخطى حدود المحلية.

في هذه المقابلة والتي أجريتها معه عبر تطبيق زووم من الدوحة، حكى أحمد الملك والذي يتمتع بروح فكاهية عالية قصصاً حول كتابة وإنتاج روايته الأولى (الفرقة الموسيقية)، ثمبعد مغادرته للخرطوم إلى دنقلا واستقراره هناك- كيف واجه مدير مدرسته التي يعمل فيها في دنقلا صلف النظام!!

أصدر خلال مسيرته الأدبية عدداً من الروايات تمت ترجمة بعضها إلى اللغات الانجليزية والفرنسية والهولندية، كما فازت بعض هذه الروايات بجوائز أروبية وعربية مرموقة/ منها جائزة الطيب صالح للإبداع الكتابي وجائزة كتارا للرواية العربية.

سألته في بداية المقابلة عن بداياته في النشر، فأجاب قائلاً (كانت البدايات خلال فترة الدراسة في النصف الثاني من الثمانينيات من القرن الماضي،كنت حينها أنشر قصصاً ومقالات في الصحف خلال فترة الديمقراطية 1985-1989 (قصص قصيرة وأحياناً أشعار)، في تلك الفنرة كنت مستقراً بين دنقلا في الشمالية والخرطوم.

ولكن في مطلع التسعينيات فضلت الاستقرار في دنقلا واشتغلت أستاذاً للغة الانجليزية في مدرسة ثانوية شعبية وكنت أحياناً أدرس الأدب العربي والتاريخ وبعدها نشرت في عام 1991 أول رواية من دار جامعة الخرطوم للنشر، وكانت رواية صغيرة اسمها (الفرقة الموسيقية) ووجدت الرواية ترحيباً كبيراً رغم أنها كانت أول تجربة لي في الكتابة الروائية إضافة إلى ظروف البلد المتدهورة في مجالات الحرية وحقوق الإنسان في السودانفي ذلك الوقت (حكم عسكري)، وكان الأمريتطلب استخدام الأسلوب الرمزي في التعبير، فكانت رواية (الفرقة الموسيقية) تميل إلى الرمزية.

وفي عام 1995 أصدرت رواية ثانية من دار نشر جديدة اسمها ( دار المكتبة الأكاديمية) وهي دار أسسها عدد من الناشطين والشباب، عملوا سابقاً في دار جامعة الخرطوم للنشر وتعرضوا للفصل التعسفي .

النشر في ذلك الوقت لم يكن بالسهولة التي هو عليها الآن،فالجمع الإلكتروني في حد ذاته عملية معقدة للغاية لأن برامج الكمبيوتر جديدة وقتها وإذا لم تكن حاضراًصباحاً ونجلس بجانب (الصفيف) فربما لا تجد نصوصك حظها من الجمع.

وانتظرت حوالي سنة كاملة حتى اكتمل الجمع الإلكتروني وكنت خائفاً للغاية ألا يدخل الكتاب إلى المطبعة لأن الرواية فيها مغزى سياسي (نقد لضياع النظام الديمقراطي)، وقد سمعت تحذيرات من عدد من الأصدقاء بأن نشر الرواية ربما لا يكتمل. وأذكر أن أحد مديريء المطبعة وقد شعرت به متعاطفاً معي وتخيلت أن هذا الرجل ربما لا يكون منتمياً للنظام الجديد، ولكن للأسف الشديد لمحته يوماً وهو يقود مظاهرة مؤيدة للنظام خلال فترة حرب الخليج الثانية (1990-1991) (يضحك) وتصورت للوهلة الأولى أن هذا الرجل مجرد ما يقرأ فقرات من الرواية سيوقف طباعتها ولكن لحظ لم يعترض على نص الرواية وصدرت وقتها.

وأذكريوم صدور الروايةحيث ركبت تاكسي للذهاب إلى المطبعة (رغم ظروفي المادية الصعبة)وحدث أن سائق التاكسي صدمني بخبر مؤسف وهوأن الناشط الاجتماعي محجوب عبدالحفيظ توفي في حادث حركة، (وكان هذا الشاب له برنامج في التلفزيون بعنوان(الصلات الطيبة) لمساعدة الفئات الضعيفة في المجتمع من خلال إبرازمواهبها، الغريب في الأمر أن صاحب التاكسي اعتذر عن قيمة الأجرة عندما عرف بظروفي.

  • إذن كانت الرواية الأولى (الفرقة الموسيقية) هل نشرت روايات أخرى في السودان قبل هجرتك إلى هولندا؟

نعم وكانت الرواية بعنوان (عصافير آخر أيام الخريف)في عام 1995 وطبعتها دار المكتبة الأكاديمية، ولكن للأسف احتوت الطبعةعلىالكثير من الأخطاء المطبعية.

بعد ذلك جاءت الهجرة إلى هولندا في أواخر التسعينيات 1998 وفي هولنداأصدرت العديد من الروايات ولكنني كنت حزيناً لصعوبة الوصول إلى القارئ السوداني في الداخل، فالرواية قدتصل إلى أماكن بعيدة في أروبا وأستراليا ولكن يصعب وصولها للسودان.

  • معنى ذلك أنك نشرت روايتين في السودان قبل الهجرة إلى أروبا؟

في بداية هجرتي إلى هولندا أصدرت مجموعة قصصية ثم أصدرت رواية (الخريف يأتي مع صفاء) وبعدها أصدرت خمس روايات، منها رواية (بيت في جوبا) 2010 وروايتين صدرتا في 2014 هما (سبعة غرباء في المدينة) و(في مملكة الجنجويد) ورواية خامسة صدرت في مصر اسمها ( الزمن قبل غارة الانتينوف) تتحدث عن المأساة التي يعيشها شعب جبال النوبة.

أما الرواية الأخيرة فستصدر خلال أسابيع بعنوان (كهنة آمون) عن دارنشرفي جنوب السودانوقبل ذلك أصدرت رواية في السودان اسمها (موسم صيد الرقيق) وهي حول فترة الحكم التركي المصري للسودان، والانتهاكات التي ترتكب ضد سكان السودان بصورة عامة.

  • قبل أن نتحدث عن القضايا الشائكة التي عالجتها الروايات،أرجو أن تحكي لنا عن مراحل إنتاج الروايات وتوزيعها كمقارنة بين السودان وهولندا؟

كان هناك شعور بالصدمة، خصوصاً خلال المراحل الأولى من الانتقال من البيئة في السودان والتي كانت مصدراً للإلهام وجزءاً من حياتك وهي بكل المعاني ثرية خصوصاً خارج المدن الكبيرة إلى حياة أخرى في أروبا، وكانت مسألة الكتابة نفسها صعبة في البداية، فنشرت أول إنتاج بعد خروجي بنحو 5 سنوات، وفي ذلك الوقت أصبحت مراحل إنتاج الكتب أسهل بكثير.

  • إذا جاز لنا أن نستفسر عن مدى رضاك عن الروايات التي كتبتها وأنت في السودان وبين تلك التي كتبتها وأنت في هولندا بعيداً عن المعاناة المعيشية؟

الإلهام يأتي وأنت تعيش وسط شعبك وأهلك وبين أصدقائك، وأذكر كثيراً من المشاهد وأنت جالس في البيت بالشمالية فتأتي الجارة لتحكي عن إشارات مثل وصولالطيور إلىالشجر وتغريدها وكيف أن ذلك إشارة لشخص قادم من السفر، والأساطير جزء من الحياة اليومية التي يعيشها المرء في بيئته في السودان، ولكن هنا في أروبا فأنت بعيد عن وطنك فتعتمد أكثر على الذكريات والخيال، ولكن الفرق الوحيد هو الشعور بالحرية هنا حيث لا يستطيع إنسان أن يمنعك من التعبير عما يجول في نفسك وبالتالي أنت تلقائياً تتخلى عن الرمزية في الكتابة، وتصبح أكثر وضوحاً ومباشرة في التعبير عن نفسك.

  • عندما تعود إلى قراءة هذه النصوص التي كتبتها وأنت في السودان، ما هو الشعور الذي يراودك؟

للأسف الشديد انقطعت عنالرواية الأولى (الفرقة الموسيقية) لأنني فقدت أثرها تماماً ولم أستطع الحصول على نسخ منها وبالتالي لا يمكنني سوى الشعور بالأسف، أما الرواية الثانية فاستطعت الحصول على نسخة واحدة بصعوبة وأعمل حالياً على إعادة طباعتها من جديد، رغم صعوبة ذلك مع التقدم في العمر.

  • كيف تصف الفترة الأولى من الإنقاذ قبل هجرتك إلى أروبا (1998) ؟

كانت بالتأكيد فترة صعبة وكان القمع الإنقاذي مركزاً على جميع الناس بصورة لم تكن مسبوقة في تاريخ السودان، وأنا نفسي كانت لدي تجربة حيث كتب أحد النقاد مقالاً عن رواية الفرقة الموسيقية في إحدى صحف النظام اليومية، ذكر فيه(أن هذه الرواية فيها سخرية من النظام السياسي)، وبصراحة انتابني الكثير من الخوف والقلق ولكن يبدو أن وجودي بعيداً عن الخرطوم ومشاكلها جعلني بعيداً عن تحرشات الإنقاذ.

رغم البعد ولكننا وفي المدرسة الثانوية كنا نتعرض لمضايقات وقد تمت إحالة مدير المدرسة للصالح العام (رغم أنها مدرسة غير حكومية) لأنه يسخر من النظام ويعترض على نشاط المنظمات التابعة للنظام، وكان ذلك المدير يتمتع بجرأة كبيرة ولا يهاب أجهزة النظام.وأذكر في إحدى المرات ونحن جالسون في شمسالشتاءفي دنقلا بصحبة ذلك المدير،فجاء أحد نشطاء النظام وطلب إلى المدير أن يكتب له أسماء المدرسين غير المدربين في الدفاع الشعبي، فرد مدعياً عدم الفهم (دي مدرسة وليست معسكراً للجيش)، ولكن ذلك الناشط أصر أن يكتب المدير أسماء المدرسين، فكتبالمدير اسمه فقط بخط جميل فملأ به الورقة كاملة وكانت العبارة هي (طه محجوب حاج محمد غير مدرب وغير مستعد) .فقال ناشط النظام (يا شيخ، الورقة دي حا تعمل ليك مشاكل) فرد المدير قائلاً (أنا ما فارقة معاي ولكن إذا أنت حا تعمل ليك مشاكل يمكنك تمزيق الورقة وأنت خارج). ولكن هذا الموقف الشجاع دفع ثمناً غالياً له، ففي العام التاليتم الاستغناء عن خدماته.

الديمقراطي