الشارع يُسيطر عليه الشباب كقوى جديدة أفرزتها الثورة يصعب استقطابها
الخرطوم : الطيب محمد خير
دفع الصراع والخلاف بيين القوى السياسية رئيس الوزراء عبد الله حمدوك لإطلاق مبادرته لإعادة توازن الخارطة السياسية الانتقالية بشكل مختلف لإنهاء حالة الجمود التي سادت المشهد السياسي بعدم القدرة على تأسيس إئتلافات تدير المرحلة الانتقالية بكفاءة وفاعلية، في ظل وجود تباين في الرؤى بين الأحزاب والقوى السياسية التي يبدو من تعاطيها وتمسكها بخطابها التقليدي، أنها عاجزة عن تغيير نهجها وأساليب عملها وتعيش أزمة فكرية، وسياسية، وتنظيمية شاملة، تعود لتلعب دوراً معرقلاً لمتطلبات المرحلة الانتقالة التي أبرزها الإسهام في توفير الحلول العلمية والعملية لرسم شكل الدولة المطلوب، نتيجة الغيرة التي بينها، كانت سبباً في انهيار التجارب الديمقراطية السابقة بسبب عدم فهمها لمتطلبات الواقع والتطور الناتج عن التعاطي التقليدي لهذه الأحزاب التي حاولت بالكاد إحداث تغيير طفيف في نهجها التقليدي في بداية الحراك الثوري لمجاراته لتحصن نفسها حتى لا تجرفها براكينه وتختفي، فسارعت بالدخول في تحالفات والعمل من خلالها وفق برنامج الحد الأدني المحصور في العموميات حتى تتجاوز مرحلة الخطر، حيث ظهرت العديد من التحالفات التي وصل عدد الأحزاب في المنضوية داخل بعض منها لأكثر من خمسين حزباً وحركة مسلحة، كان أبرزها تحالف قوى الحرية والتغيير الذي تميز عن التحالفات الأخرى بأنه ضم داخله تكتلات حزبية معارضة مثل قوى الإجماع الوطني ونداء السودان وكتلة الأحزاب الاتحادية المعارضة، وهناك تكتل الإسلاميين في تحالف التنسيقية الوطنية للتغيير والبناء الذي ضم (20) من الأحزاب المنشقة عن الحركة الإسلامية، وهناك تحالف النهضة الذي تكتلت فيه الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق سلام مع النظام البائد وبعض أحزاب الأمة التي كانت تتبع للنظام بقيادة د. التجاني السيسي وموسى محمد أحمد.
وتقدمت معظم الكتل والتحالفات والأحزاب التقليدية برؤاها مشتركة أو منفصلة للمجلس العسكري تباعاً خلال فترة المشاورات والتفاوض التي سبقت الوثيقة التي تأسست عليها الفترة الانتقالية، وخضعت كافة هذه الرؤى لدراسة اللجنة السياسية بالمجلس العسكري غير أن قوى إعلان الحرية والتغيير فرضت نفسها بصفتها ممثلة للحراك الثوري، وتمكنت من انتزاع اعتراف ثمين من المجلس العسكري بذلك.
وقال حمدوك في مبادرته صراحة إن الأمل مرهون بقدرة الفترة الانتقالية على التعامل مع الواقع بروح انتقالية لا انتقامية تنحاز إلى قيم الحرية والعدالة والديمقراطية، وترفض الإقصاء والعزل والاحتكار، مع الانفتاح على الجميع دون تحفظات لتقديم حلول سريعة للواقع الاقتصادي الصعب، والتعاطي مع المرحلة الانتقالية بمنظور قانوني قيمي وليس من منظار سياسي فكري، وترك المجال للقانون ليمارس سلطته بقوة في مكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين وبسط هيبة القانون دون تدخلات سياسية؛ علاوة على تأجيل الحسم في القضايا الخلافية المفصلية حتى يستعيد الشعب ديمقراطيته مع إحداث توازن في العلاقات الإقليمية والدولية دون انحيازات مضرة، والعمل بالتحضير الجيد لانتخابات حرة نزيهة معبرة عن الشعب.
غير أن حديث رئيس الوزراء ومطالبته بالتعاطي مع الواقع بروح الانفتاح على الجميع دون تحفظات ورفض الإقصاء والعزل والاحتكار ليس بالجديد، وسبق أن قاله صراحة قبله ياسر عرمان والحاج وراق وزعيم حزب الأمة الراحل الصادق المهدي، إلا أن هذه الجزئية من المبادرة قطعت من سياقها وتحولت لجدل شد وجذب واستنكار في الساحة السياسية التي بدت منقسمة حيالها بين مؤيد معارض مع موافقة خجولة من بعض الداعين لها في فترة سابقة خاصة من قبل حزب الأمة والمؤتمر السوداني، مع معارضة قوية من قبل الحزب الشيوعي الذي ظل يعتبر أي حديث عن أي مصالحات يفضي للهبوط الناعم وتغيير جذري في مسار الثورة وخيانة لها.
ظل الموقف الضبابي في التعاطي مع الحكومة الانتقالية أبرز ملامح الحزب الشيوعي الذي بمواقفه التصعيدية المتطرفة غير المبررة التي بدأها مع المجلس العسكري بإصدر السكرتير السياسي للحزب محمد مختار الخطيب بياناً أعلن فيه رفض حزبه مشاركة أعضاء بالمجلس العسكري في أي مستوى من مستويات الحكم الانتقالي، رغم أن قيادة القوى العسكرية الأربعة القوات المسلحة، والأمن والمخابرات، والدعم السريع، وقوات الشرطة نسقت مواقفها وقررت إحداث التغيير بطريقة سلسة وهادئة دون إراقة دماء ودون مواجهات، وكان واضحاً أن صفحة المجلس العسكري الانتقالي بيضاء، ولم تكن بها أي مرجعيات دولية أو إقليمية أو عرقية أو جهوية أو قبلية، وليست لها اصطفافات لأنها وليدة أحداث متسارعة حصلت فيها الكثير من المدافعات، وظلت القوات المسلحة أمل الشعب في التخلص من النظم الدكتاتورية، كما حصل في انتفاضة 1964 ضدّ إبراهيم عبود وانتفاضة أبريل 1985 ضدّ نميري، وكان إعلان الحد الفاصل لحكم البشير وصول مواكب الثوار لأسوار قيادة الجيش في اشارة لتفويضه بوضع لنهاية حكمه بتوالي مهمة إسقاط النظام والقبض على رئيسه والقيادات السياسية والحزبية باعتبار أن الجيش المؤسسة الوحيدة التي تحفظ توازن الدولة وتحقق رغبات شعبها في إحداث التغيير.
غير أن الحزب الشيوعي مضى في نهجه التصعيدي وقتها واتهم حلفاءه في تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير إبان التفاوض الذي أفضى لوثيقة الفترة الانتقالية بتغييب الجماهير صانعة الانتفاضة، وقال إن مفاوضاتهم مع المجلس العسكري يكتنفها الغموض.
ورغم حديث الحزب الشيوعي الرافض للاتفاق، إلا أنه ظل أحد مكونات الحرية والتغيير، وشارك في كل المناقشات والخطوات حتى اليوم، بل كان طرفاً في بعض التعديلات التي أدخلت على الاتفاقية، وهذا الموقف الضبابي في التعاطي مع الحكومة الانتقالية كان أبرز ملامح الحزب الشيوعي منذ العام 2019 بداية بإعلانه المفاجئ عدم المشاركة في المرحلة الانتقالية وإصداره بياناً رفض فيه الاتفاق والمشاركة في المرحلة المقبلة، ومن ثم بدأ يظهر التناقض في موقفه التصعيدي، وظل يهدد بإسقاط الحكومة الانتقالية عبر المد الجماهيري، غير أنه في كل مرة يتراجع عن موقفه وآخرها مشاركته في تظاهرات تصحيح المسار التي خرجت في (30 يوينو) التي رفض حلفاؤه المشاركة فيها باعتبار الدعوة إليها جاءت من قبل قوى معادية للثورة.
وبرز مشهد الغيرة السياسية المسيطر على الحزب الشيوعي بصورة واضحة في معاركه التي يقودها ضد الحكومة الانتقالية بعد بروز نجم عدد من أعضائه السابقين الذين فصلوا في فترات سابقة والذين أصبحوا عرابين لرئيس الوزراء وأكثر تأثيرًا على المشهد السياسي ما يعني أنهم أكثر دهاء من عضوية اللجنة المركزية للحزب بدليل تأثيره على المشهد رغم تأكيدها أن الحزب لا يقود معاركه ضد الحكومة الانتقالية نتيجة السيطرة عليها من قبل من تركوا صفوفه من أعضائه السابقين الذين فصلوا من الحزب في فترات سابقة نتيجة لخلافات بينهم أو أنهم تركوا الحزب بمحض إرادتهم لأسباب تخص الحزب أو تخصهم.
واضح أن حمدوك يستند في مبادرته التي يرى البعض أنها جاءت متأخرة على تفويض الجماهير التي صنعت التغيير من داخل الحراك الذي اتسم بتلقائيته وانخراط الشباب فيه بشكل مكثف، ولم يكن هذا الحراك في مجمله من صنع الأحزاب السياسية، وهو حراك مجتمعي، شاركت فيه مختلف الفعاليات، ولم يكن تحت وصاية حزب أو مكون سياسي محدد بعينه ولا يحق لأي جهة ادعاء امتلاك تفويض مطلق لتقرر خارج إطار تفويض الجماهير له. صحيح أن الحراك الثوري الذي انطلقت شرارته الأولى في 19 ديسمبر الماضي أحدث زلزالًا كبيرًا في خارطة السودان السياسية، أفرز كيانات جديدة وأطاح بأخرى، وما كان بالأمس يتصدر المشهد بات اليوم خارج دائرة الضوء وواضح ما عناه رئيس الوزراء في مبادرته أن يكون الحذف والإضافة في المشهد السياسي وفق معايير تحفظ توازن الدولة دون إحداث أي خلل في ميزان الفترة الانتقالية.
ويبقى السؤال المهم، من سكسب الشارع بحضوره الجماهيري المتنوع الكبير الذي يسيطر عليه الشباب كقوى سياسية جديدة أفرزتها الثورة يصعب استقطابها وفقاً لسقف طموحاتها العالي الذي برز من خلال الثورة وأظهر بأنه جيل لا يستهان به ويملك قدرات وأدوات فكرية وإبداعية في منتهى الاحترافية في الموقف التصعيدي في ظل عدم ثقتها في الأحزاب نتيجة أزمة الخطاب التقليدية الناجمة من الأزمة الفكرية، والسياسية، والفوضى التنظيمية الشاملة التي تعيشها ويظهر ذلك من قصور فهمها لمتطلبات الواقع، والانسجام معه واستمرارها في نهجها وأساليبها في عرقلة متطلبات توفير الحلول العلمية والعملية لقضايا الشباب كالبطالة والفقر، استقطابهم وفقاً لسقف طموحاتهم العالية التي برزت من خلال الثورة الشعبية وأظهرت بأنه جيل لا يستهان به ويملك قدرات وأدوات فكرية وإبداعية في منتهى الاحترافية.
هل يستطيع حمدوك انجاح مبادرته والعبور بها لترتيب طاولة الفترة الانتقالية التي تبدو مبعثرة؟
الصيحة
واضح انه كاتب المقال من جناح الهبوط الناعم و المصالحة مع الكيزان او هو نفسه كوز …
هو في ضبابية اكتر من ضبابية الحكومة وشراكة الدم
الضبابيةً هي تضليل العدالة و اساس الحكم (الملك )هو العدل … و البلد دي ما ح تقوم ليها قايمة الاذا ام ارساء الاسسس العدلية !!
التعليقات مغلقة.