طالبت لجان المقاومة بمنطقة “ودعشيب” ـ ولاية الجزيرة ـ بمراجعة العقودات التي بموجبها تم منح مشروع “زايد الخير” الإماراتي (مساحة 40 ألف فدان بالمنطقة)، مشيرة إلى أن المشروع فيه العديد من التجاوزات وتسبب في ضرر للأهالي، فضلاً عن الاستيلاء على أراضيهم.
وكانت لجنة مقاومة القرى المتضررة من المشروع قد قامت بمخاطبة النائب العام لفتح تحقيق حول القضية، كما تم تسليم مذكرة مشابهة لكل من مجلس السيادة ومجلس الوزراء ولجنة تفكيك النظام البائد، بالإضافة إلى المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير.
وقال عضو لجنة مقاومة القرى المتضررة محمد أحمد إن نحو 13 قرية عانت من المشروع، وإن مطالبهم تنحصر في إيقاف المشروع ومنع تدفق المياه داخله، وأوضح أن كل العقودات بين “زايد الخير” وما تبعها من شركات لاغية؛ لأنها باطلة وفُرضت بالقوة الجبرية من النظام المباد.
ويكاد لا يتحدث المواطنون هذه الأيام في القرى الواقعة بمحلية “ود راوه” بولاية الجزيرة السودانية، سوى عن المظالم والمشاكل التي تسبب فيها مشروع “زايد الخير” الإماراتي، وعن كيفية إرجاع الإراضي الشاسعة إلى الملاك الأصليين، بعد أن مُنحت لمستثمر إماراتي في العهد البائد.
ويعود أصل الحكاية إلى أن نظام المخلوع البشير في العام 2002م قام بمنح مستثمر إماراتي يُعرف وسط السكان المحليين باسم “منصور” مساحة 40 ألف فدان، لإقامة مشروع زراعي، الأمر الذي رفضه الأهالي وظلوا يناهضونه طيلة العشرين عاماً الماضية، خاصة بعد أن تسبب المشروع في تردي البيئة الصحية بسبب الانتشار الكثيف للبعوض والحشرات والأفاعي السامة.
بعد ثورة ديسمبر وسقوط نظام المخلوع البشير في أبريل العام الماضي، بدأ الأهالي في التنظيم مجدداً وعبر لجان المقاومة قاموا بعمل العديد من الوقفات الاحتجاجية لاقتلاع حقوقهم والمطالبة بإزالة المشروع، وبعد ذلك مباشرة، كما أوردت صحيفة السوداني، في خبر قصير، “أقدم المستثمر الإماراتي أحمد سالم المنصوري على بيع مشروع (زايد الخير) الشهير لشركة محلية”، وكانت المفاجأة حين علم الأهالي أن المالك الجديد هو شركة “الاتجاهات المتعددة” التي تتبع للتصنيع الحربي، وتساءلوا عن كيفية إجراءات البيع التي تمت، مؤكدين في نفس الوقت أنه بغض النظر عن الأسماء فإن المالك غير شرعي؛ لأنه ورث مشروعاً اُغتصب من أصحابه عنوةً.
وطالب السكان المحليون بفتح ملفات الأراضي ومراجعة العقود ومعرفة التجاوزات التي تمت، بجانب إلى إيقاف المشروع فوراً، وفي إطار ذلك اتجهت لجان المقاومة بتلك القرى لمخاطبة لجنة تفكيك نظام الإنقاذ وإزالة التمكين، ومدهم بالمعلومات التي يقولون إنها تثبت أحقيتهم في الأرض، وتكشف التجاوزات التي تمت، كما سيرت تلك اللجان عدداً من المواكب، وقامت باقتحام المشروع ونظمت اعتصاماً بداخله، قبل التوصل لاتفاق بخروجهم وإيقاف العمل وتأمين المكان بواسطة القوات الشرطية.
بالمقابل، يبدو أن إدارة شركة الاتجاهات المتعددة حاولت أن تسيطر على الأوضاع خاصة بعد خطابات ودعوات التصعيد تجاهها، فقامت بالجلوس مع لجان المقاومة واللجان الشعبية بالمنطقة، واستجابت لطلب إيقاف العمل بالمشروع، وأكدت لهم أن العمل سوف يُستأنف في المشروع إذا وافق الأهالي والملاك على الاستثمار، وسيكون ذلك وفقاً لعقود جديدة وبواسطة لجان المقاومة بالقرى المتضررة واستشاريين قانونيين.
انسحاب المستثمر الإماراتي بهذه الطريق الخفية، كما يقول مراقبون، فتح أبواب تساؤلات كبيرة عن أسباب البيع والمبلغ الذي دفعته الشركة المحلية للشراء خاصة وأنه، بحسب إفادات أدلت بها في وقت سابق المستشارة الاقتصادية بالسفارة السودانية بأبوظبي، أن الاستثمارات بالمشروع تقدر بـ60 مليون دولار.
وفي السياق، تؤكد لجان مقاومة القرى المتضرر أن بيع المشروع لصالح شركة الاتجاهات المتعددة محل تشكيك من قبلهم، لتوقيت البيع الذي صادف الترتيب الأولي للدولة بعد سقوط النظام، كذلك الجهة المشترية “التصنيع الحربي”. وتقول اللجان إن هناك الكثير من الروايات تشير إلى أن الشركة مجرد واجهة جديدة فقط، وكذلك يقولون إن المشروع فشل في توفير علف لأبقار الشركة، فقامت الأخيرة استناداً إلى ديونها وحاجتها بوضع يدها عليه.
وبحسب المتابعات، عقد والي الجزيرة، عبدالله أحمد علي إدريس، مؤخراً اجتماعاً مع أطراف القضية ممثلة في لجان المقاومة ولجنة ملاك الأراضي وممثلين من شركة “الاتجاهات المتعددة” وممثل للمستثمر الإماراتي، وقال عضو لجنة الملاك معتصم الزنزوني، إن ممثلي الشركات قاموا بتقديم عقود علف مستحقة من المشروع لا عقود إيجار من المالك الأجنبي، الأمر الذي اعتبره الوالي مخالفاً للقانون، وطلب منهم حل المشكلة مع المستثمر، بعيداً عن أرض المشروع. “الزنزوني” أكد عدم وجود حل نهائي حتى الآن، وأن الوالي طلب حضور المستثمر شخصياً لحسم هذا الأمر، مشيراً إلى أن ملف المشروع بشكل كامل تم إيداعه للجنة التفكيك وإزالة التمكين الولائية، عن طريقة أمانة حكومة الجزيرة، وأنهم في انتظار القرار الذي سيصدر منها ويعيد لهم حقوقهم. وأبان أنهم قاموا بتقديم طلب للوالي للسماح لهم بزراعة القمح داخل المشروع في العروة الشتوية، وربط الوالي الطلب بصدور قرار لجنة التفكيك.
وفي وقت سابق، قال مقرر لجنة ملاك الأراضي، الفاتح خضر، إن إجراءات منح المشروع للمستثمر صاحبتها أخطاء منذ لحظتها الأولى؛ لأن مكان المشروع ليس الموقع الذي يتمدد فيه الآن، وأشار إلى أن الوزارة صدقت على المشروع في مساحة اُستقطعت من مشروع “باقدو” الزراعي، الذي يقع شرق موقع “زايد الخير” الحالي.
وأضاف أنهم بعد الاحتجاجات والمذكرات آنذاك، توصلوا إلى أن يتم منحهم (10) آلاف فدان من مساحة المشروع تسلم إليهم مروية، لكن بعد ذلك طلب منه مبلغ (700) مليون حنيه تكلفة الري واشترط تسليمها خلال شهرين، مما استحال عليهم جمع هذا المبلغ.
وزاد: “بعد ذلك توصلنا إلى اتفاق مع المستثمر بأن يؤجر الأرض بقيمة (1000) جنيه فقط للفدان لمدة خمس سنوات، ثم يتم تسليمها لهم بعد أن تنشأ فيها ترع ومجارٍ للري”، وأوضح أن رسوم الإيجار التي تبلغ مليون جنيه، كانت تدفع لهم لكن لم يتم أي عمل في شق الترع والمجاري، وما زالت الأرض خالية.
وكشف الفاتح أن الاتفاق بين الوزارة والمشروع حدد زراعة ثلاثة محاصيل هي (القمح، الذرة الشامية، عباد الشمس)، إلا أن إدارة المشروع أدخلت محصولي الأرز والردوس اللذين تسببا في توالد البعوض لحاجتهما لمياه كثيرة.
يُذكر أن في سبتمبر 2018م كشفت إدارة الاستثمار بولاية الجزيرة عن شبهات في إبرام عقود مشروع “زايد الخير”، وقال مدير الاستثمار حينها، أمير يحيي، إنه درس الاتفاق الذي تم بين الحكومة والمستثمر الإماراتي، ووجد أن العقود الموقعة لمنح المشروع معيبة.
الميدان