الكلمة السحرية التي أوصلت الصادق للعرش!

0
4
عبدالله الشيخ
عبدالله الشيخ

خط الاستواء
عبد الله الشيخ

كأني طاف بي ركب اللّيالي وعدت إلى أيام الصِّبا، إلى أيام مارس / أبريل 1985.. هكذا كنّا نناديها، لولا أن الأُخوانجية والسلفيين ومعهم طائفة من الأنصار قالوا، إنّها “إنتفاضة رجب”.. وقع الإختلاف – بعد ذلك – في كافة التفاصيل، ومع ذلك كنّا نظُن أن الدنيا بخير وأن المايويين هم أسوأ ما أنتجه السودان من “تبغ”.

ملأنا إبطينا بالهتاف في الشوارع والزّعيق ضدّ السدنة، وما هي إلّا أيام، حتى عاد كل شيئ إلى سابق عهده. تعلّقت آمالنا بالتغيير الجّذري، فلم يكُن هناك طليعة تعرف الطريق اليه. كنّا نقضي النهار في قرأءة الصحف وفي الليل نلتحق بالليالي السياسية و الشعرية.
بهرتنا الأقوال فصدّقنا سيد الحوش الكبير، حتى كِدنا نلتحق بحاشيته، حين قال في إحدى النّدوات: إنّ قوانين سبتمبر،لا تساوي الحِبر الذي كُتِبَتْ به.
لعلّها كانت الكلمة السحرية التي أوصلته الى العرش، لينسى بعد ذلك، ويتخاذل..

ما اُقيمت ندوة في هذه الخرطوم، إلا “غطّيناها” وما قُرِئ بيت شعر ثوري إلا وحفظناه، ولكن بعد عام فقط “صبّت فينا المَطَرة” وعدنا الى حالة البؤس والشقاء وإلى التشعبُط في الدّفارات و النيسانات، التي كانت تعمل كمواصلات عامة.
تلك أيام لم تكن تخلو من المنشورات والتنويهات والأوهام المُستحيلة التى كنّا نروِّج لها دون حياء أو وجل.. كنّا ــ ولله الحق ــ مثل هؤلاء الكيزان – الزواحف – نمتلئ بالتهريج ونتحدّث عن الحرّية، و”نَكْبِسْ” بها على الأنفاس، تماماً مثلما تُفحِمك أخوات نسيبة بنماذِج من مأثورات حسن البنّا.. كذلك كنّا نحن لا نقول شيئاً دون أن نُدْخِل كلمة الحرية أو الديمقراطية في “كلام الهوا”.

كانت البلد كلّها شغالة سياسة وكلنا متحدّثين رسميين، و كان رئيس وزراءنا “الذي أضاع وقت البلاد والعِباد في كثرة الكلام” يعجِبك في التحبيك والتّسبيك، فقد كان له في كل يوم “نجرة” جديدة، وهلمجّرا.. مع ذلك، كان عهد ديمقراطينا القصير مُمتعاً.. لم يكُن كله كثيفاً مظلماً، إذ كانت فيه الكثير من الإشراقات.. كان هناك البرلماني أمير الشّرق “بامكار” وكان لدى لطائفة الأنصار رجل متخصص في ملف الجنوب إسمه “فقيري”..

كان هناك الأمير نُقد الله، وبروفسير الشيخ محجوب في حزب الأُمّة، وهناك أبو حريرة، وسيد أحمد الحسين في جنينة الإتحاديين.. كان هناك رجلٌ شجاع ، إسمه محمد عثمان حامد كرار، و كان لليسار حضوره وكانت الميدان تصدر رصينة ومختصرة حتى تكاد تحفظ كلماتها..

كان للاخوانجية، وبكل أسف، صحافة اختارت “نهج البذاءة” التي صبر عليها رجال كرام، مثل التوم محمد التوم، ومثل الصادق المهدي، قبل أن ينسى.. “وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا”.

كذا ضاعت الإنتفاضة، وكلٌّ يحتفظ بأسبابه لذلك الضياع.. كلٌ منّا يرمي اللّوم على الآخر.. كلنا كان يقف في محطّة الماضي، حتى جاءت الانقاذ – “الطّاوية حُبالا”!

المواكب