في فيلم ( البرئ) لعاطف الطيب و وحيد حامد و احمد زكي انتاج ١٩٨٦، استطاع ضابط المعتقل السياسي ان يستفيد من بساطة احمد زكي الريفي الأمي في تعذيب و حتى قتل المعتقلين باقناعه انهم اعداء الوطن. حتى أتاه نور الوعي عندما أُعتِقل ابن قريته الذي كان يعطف عليه و ساعده كثيراً في حياته في القرية، حينها ادرك الخديعة و التجهيل و قلْب الحقائق. عُذِب و حُبس مع ابن قريته، حين رفض ضربه و تعذيبه، مع مجموعة ثعابين مات بلدغتها ابن قريته بين يديه. من هنا و اختلف احمد زكي، فلا أحد يظل على ما كان عليه قبل الوعي.
هذا النوع من الافلام يزيد بالتأكيد من جرعات الوعي بالحق في الحرية و العدالة و هو ما يخشاه من يريد ان يحكم بمصادرة حق الناس بتغييب او تغبيش وعيهم. كانت النهاية الاصلية في الفيلم ان احمد زكي حين حضور عربة تحمل معتقلين جدد سينفجر من الغضب و يقتل برشاشه ضباط و جنود المعتقل ثم يُقتل هو ايضا برصاص احد المجندين تعبيرا عن انفجار الظلم بالصدور حين يتمدد و يضغط على الناس.
و لكن خوف الحكام حين جاء عرض الفيلم جعلهم يكونون لجنة من وزير الدفاع و وزير الداخلية و وزير الثقافة، هذا الثقل الامني من اجل مراقبة و قطع الطريق على أي محاولات لنشر نور الوعي. انتهت اللجنة برفض هذه النهاية ، لتُغيَر بأن يصرخ احمد زكي فقط حين حضور العربة التي تحمل المعتقلين و فرضت ايضاً قطع بعض الجمل من الحوار . لم يفرج عن النهاية الاصلية إلّا عام ٢٠٠٥. هذا مجرد فيلم واحد مدته ساعتان سيدخله غالباً الراغب في الترفيه، و لكنه أخاف السلطة لدرجة عقد لجنة على ذاك المستوى لتفرض تغييرات في محاولة لإطفاء ما يخلقه الفيلم من نور للوعي، فما بالك بما قد تفعله فلول سلطة الانقاذ و من يتآمر معهم في المصالح، عند تغيير للمناهج يضع ابناء البلد على عتبات اعلى من الوعي تاركين خلفهم منهجاً اضاع اللغة و الرغبة في التعلم و التفكير النقدي و همة البحث و التفكير. اذا كان فيلم واحد تجيشت له السلطة بتلك اللجنة، و اذا كانت السلطة لتكسب مواطنا مثل احمد زكي الريفي البسيط ادعت ان المعتقلين اعداء الوطن، فابسط ما تفعله عندنا قوى الظلام و الصعود للسلطة بتجهيل الناس ان تحارب المناهج الجديدة بسلاح التكفير و انها ضد الدين و العقيدة.
المعركة ضد المناهج الجديدة اختارها اصحاب السلطة المتوارية الغير قادرين على الجهر بسوءهم، فهل انتصروا؟ بعد اختيارهم ادواتهم المكررة ذاتها من الممثلين و الصراخ و التهديد و البكاء و الدموع الباردة، هل يعتبر بيان رئيس الوزراء بتجميد التغييرات في المناهج نصراً لهم و لو لحين. ابداً ثم ابداً لأن النصر هنا لا يقاس بعلو الصراخ و لا بالقرارات الرسمية، النصر يقاس بما زاد من وعي، بما انتشر من نور مجبراً الظلام على التراجع و تقليص حصته في الامر. النور الذي سكب في قضية المناهج من كتابات العارفين و العلماء، و نسبة الناس ممن شاركوا في النقاش و طرح ارائهم بحرية و منطق يشرح تفكيرهم و مسعاهم، مهما اختلف او تضاد، لهو الوعى بالحرية و العدالة و المشاركة في صنع القرار و تقرير المستقبل بعينه. و هو بالضبط عكس ما كانت تصبو اليه قوى السلطة المبنية على تجهيل الناس، و هو بالضبط ما تسعى اليه قوى النور و الوعي و الحق.
اذا اعتمدنا نهاية الفيلم المفروضة من اللجنة الامنية في بلد الفيلم او النهاية الاصلية له، فان النتيجة بحساب الوعي و النور ان احمد زكي لم يعد كما لمّا اتى من قريته، و اذا اعتمدنا بيان رئيس الوزراء نهايةً لمرحلةٍ ما في هذه المعركة فانه بذات الحساب ما عدنا كما كنا، فنحن بتنا اكثر علما و معرفة بالقضية و اكثر قوة في منازلة اعداء النور، اكثر حرية في قول ما نريده فعلا، و اكثر تنظيماً و تحديداً بما نريده من المناهج، و اكثر تجريبا لأدواتنا التي تجافي الصراخ و الدموع الباردة و اكثر مصاحبة للبحث عن المعرفة و المعلومة من مكانها الصحيح.
كانوا يرمون من المعركة المفتعلة ضمن تجهيلنا و سوقنا لمساحة ظلامهم، خلق أي انتصار يرضي غرورهم الذي أُذِل بسقوطهم، فسجلوا الهدف في مرماهم، فقد صرنا اكثر وعياً و زدنا علي حساب مساحة ظلامهم، مساحتنا من النور، بجهدهم هُم و دموعهم.
و بعد هذا الهدف و هذا النصر، فلنجلس و نراقب النور و هو يتمدد و ينتشر و نستمتع بخصم يفتعل المعارك و بها يكشف ضعف و فساد اسلحته، و ما الوعي إلّا تسليط ضوء على امر في مساحة من الحرية، وحده سينمو و يكبر بالتفاعل الحر و المشاركة دون خوف.
ليتهم كل يوم يفتعلون معركة و يهدوننا اهدافاً و نصعد درجات في سلم الوعي و يسقطوا هم في ظلامهم.
اماني ابوسليم
[email protected]
امبارح كنت بحضر وثائقي عن عاطف الطيب الله يرحمو
ممتازة يا واعيه يا بت الراجل المحترم
مازال السودان بخير وسيظل
ما شاء الله عليك، بس هنا خطأ شائع عند السودانيين كما في هذه الجملة:
(اصحاب السلطة المتوارية الغير قادرين على الجهر بسوءهم)
الصحيح أن ال التعريف لا تدخل على كلمة غير ،، فنقول غير القادرين
أحييك يا أستاذة اماني مقال جيد
احييك يا استاذه اماني على الراي الثاقب بفهمك لنفسيات وسلوك الظلاميين كيزان الفجور الذين يحاولون طمس الحق وذلك بمحاولة خديعة الشعب الواعي بان هذه المناهخ بها ضلال وزيق،بل العكس ان مناهجهم كانت تستد على راي هبلهم الغرابي(الترابي) بتجديد الدين والدليل منهج العقيده الذي خالف بين الروبوببه والالوهيه وهي من فكر المستشرقين الذين يطعنون في الدين ويلوون فيه كما ذكر الله عز وجل فقال(ليا بالسنتهم وطعنا في الدين) صدق الله العظيم…
التعليقات مغلقة.