التنويريون ونجيب محفوظ

2
13
د. الفاتح إبراهيم
د. الفاتح ابراهيم
اعترف من البداية لسبب ما ومنذ ايام الطلب لم أجد في نفسي باعثا أو ميلا لقراءة اعمال نجيب محفوظ على أهميتها لدي الكثيرين .. ولم يؤد رواجها الى انجذابي نحوها ومحاولة الدخول في عوالمها .. ولم أحاول معاندة نفسي أو مغالبة الطبع من أجل قراءة أعماله كما فعل طه حسين حين صحب معه ديوان المتنبي الى مشتاه في جبال الألب .. ربما بسبب المزاج او بحكم التربية او لم تتح لي الفرصة المواتية او ربما تشعبت بي الطرق ومفترقاتها فلم أجد نفسي سالكا ذلك المنحى ..
والحق لا ادري بالضبط لماذا عزفت عنه وانا كثير الإطلاع على كل أنواع الفكر وأدب محفوظ من الغزارة ما يصعب تجاوزه ولكن هذا ما حدث .. وفي احد الايام وانا اقلب صفحات اليوتيوب عثرت على قناة احد اليوتيوبرز اسمه احمد سعد زايد  المسماة “الايدلوجيات السياسية المعاصرة” وحلقة يستعرض فيها روايات وافكار نجيب محفوظ منوها بعظمته التي لم يفطن اليها الكثيرون باعتباره العربي الوحيد الذي حاز على جائزة نوبل في الادب و.. و .. وانا هنا – بالرغم مما قد يوحي له السياق – لست بصدد التقليل من الكاتب أو الإحتفاء به وقد فاقت شهرته الآفاق ولكنها محاولة لفهم عظائم الصفات التي كالها له المتحدث بغير حساب ومعرفة سر تعلق المتحدث بهذا النوع من الكتاب والإنتاج الأدبي ومطالبته لنا نحن المشاهدين ان نحذو حذوه .. وكلما أوغلت في المشاهدة ألاحظ الإعجاب المفرط وازدياد المبالغة في تعداد مناقب الكاتب واعتباره اهم المفكرين التنويريين في ثقافتنا الحديثة .. وعنوان الحلقة التي شاهدتها “نجيب محفوظ  ونقد الدين والأنبياء” .. وعن طريق هذا البرنامج والنماذج التي عرضها مقدم البرنامج كونت فكرة لا بأس بها عن ادب محفوظ أو على الأقل الجانب الذي حاول مقدم البرنامج إلقاء الضوء عليه وهو نقد الدين والنبوة باستخدام الرمز والإشارة الخفية غير المباشرة .. ومحفوظ ليس فريدا في التطرق لهذا النوع من الكتابة وإن كان كما ذكر مقدم البرنامج – محقا – أن تناوله كان رمزيا غير مباشر ..
لقد حفل التاريخ غربا وشرقا بالمفكرين والفلاسفة الذين تعرضوا للدين نقدا وسخرية عاشوا في امم خلت ومضوا .. وحتى في زمان الناس هذا تجد من يتبنى نفس الاتجاه .. غير أن الدين ما زال يلعب دوره المنوط به في حياة الناس .. وغالبا ما يلجأ الذين يتصدون لذلك إلى إشهار سلاح العلم والتقدم العلمي في الحضارة الحديثة لدعم وجهة نظرهم .. ومن السذاجة بمكان ان يدعي بعض التنويريين ان هناك تناقض وصراع وعداء بين الدين والعلم ومن يعتقد ذلك فقد غابت عنه حقيقة الدين وحقيقة العلم على حد سواء .. فلكلاهما – اذا امعنا النظر السليم – له وسائله وتأثيراته في الحضارة الانسانية مما يجعل دورهما المتكامل حقيقة تاريخية حتى لو سلمنا جدلا أنهما كيانان منفصلان تمام الإنفصال .. وهذا مبحث كبير لا مجال له هنا ..
على اي حال محاولات هؤلاء لهدم الدين تذكرنا بوعل الشاعر الجاهلي الاعشى:
كناطح صخرة يوما ليوهنها
فلم يضرها واوهى قرنه الوعل
ولحسن الحظ هنالك بعض التنويريين الذين استفادوا من تطور العلم ووسائل البحث العلمي فقدموا مساهمات تنويرية حقيقية منصفة تنتقد وتنقي ما علق بالتراث الديني خاصة الإسلامي من شوائب وتؤسس لفكر يفهم ويستفيد ويستلهم كلا الرافدين العلم والدين لما فيه الخير للجميع ..
ومعظم التنويريين دعاة التغريب يعانون من الاحباط الذي أصابهم بسبب انجازات الغرب المادية فظنوا – في حيرتهم – ان ذلك التقدم نتج عن إبعاد الدين عن المجتمع فبالغوا في الدعوة إلى التغريب كحل ناجع لأزمات بلدانهم .. وهم لم يكونوا أصلاء في توجهاتهم وإنما كانوا مستوردين لأزمة حدثت في أوربا العصور الوسطى بين الكنيسة والعلم وليس بالضرورة أن تحدث ضربة لازب في أي ثقافة وزمان ومكان ..
وفي الوقت نفسه قرع عدد لا يستهان به من مفكري الغرب جرس الانذار  منبها إلى خطورة الطريق الذي تسلكه الحضارة المعاصرة ..  المفكر الألماني شبنجلر في كتابه اضمحلال  – ”The decline of the west”   –  ينوه إلى أن حضارة الغرب تعيش في “زمن الشتاء” بمعنى أنها في آخر مراحلها ..
وهناك أيضا الأمريكي  بول كنيدي في كتابه نهوض  وسقوط القوى العظمى – ” The rise and fall of the great powers –
ولأهمية كتاب كنيدي قمت بعرضه وتقديمه في مجلة القوات الجوية الإماراتية في منتصف الثمانينيات لمن اراد الاطلاع او قراءة الكتاب في لغته الاولى الانجليزية ..
ليس الهدف من هذا العرض الموجز أدلجة القضية أو الانتقاص من فكر أيا من كان فالناس أحرار فيما يعتقدون وإنما هي محاولة سريعة لسبر أغوار الدوافع وراء جانب من هذا الفكر الذي صار له – يوما بعد يوم ـ كتاب يروجون له في أجهزة الإعلام المقروءة والمرئية منها والمسموعة   ..
ونواصل ….
د. الفاتح ابراهيم
واشنطن

2 تعليقات

  1. يقول الفاتح إبراهيم ،
    أو – الدكتور – الفاتح إبراهيم ،
    إنه لم يجد فى نفسه باعثا أو ميلاً
    لقراءة أعمال نجيب محفوظ .

    ولعل فى ذلك مايكفيه من العلم
    بأعمال نجيب محفوظ .

التعليقات مغلقة.