منذ أن تم تعيين صالح عمار والياً على ولاية كسلا في شهر يونيو الماضي ، أصيبت الولاية بلعنة العنف غير المبرر التي أورثَنَاها النظام المخلوع رفضاً للوالي الذي تم تعيينه مع ١٧ والياً آخرين، ورغم أن بعضهم رُفض في ولاياته وما زال مرفوضاً ولكن لم يصل الناس إلى ما وصل إليه أهل الشرق الذين انزلقوا إلى عنف كلف كسلا 500 مليار قيمة الخسارة المادية والبشرية عند تعيين عمار، ولم يتعظوا ويحافظوا على أرواحهم وممتلكاتهم باستخدام وسائل ضغط واحتجاج بديلة ترسخ لقيم العمل السلمي وها هم يقعون مرة أخرى في عنف أوسع تبدو خسارته أعلى من الأول بسبب إعفاء الوالي ومتوقع الأسوأ نرجو ألا يحدث.
تخيلوا مدى الضرر الذي لحق بالإقليم وهو أصلاً ( ما ناقص) بسبب ما ورثه من إجرام وفساد من النظام المخلوع، بلا شك هذه التكلفة ستظهر في شكل معاناة يدفع ثمنها مواطنو الولاية سنين طويلة حتى وإن تم تعويضهم . بلا شك لم يخرج مواطنو الإقليم من تلقاء أنفسهم من أجل عمار ولا ضده وإنما هناك من جرهم من خلال ابتزازهم عاطفياً باسم القبيلة، ذلك الشيطان الذي مكنه النظام المخلوع في عقل الشعب الباطني مثلما مكن نفسه في مفاصل الدولة ، حتى يتمكن من استعباده ، فأصبحت كوادره وآخرون كثر يحركون العنف القبلي باستغلال مثل هذه الأسباب التافهة لتحقيق مصالحهم وتمرير أجندادهم الخاصة .
فتنة الشرق التي وقعت في الزمن الخطأ، سبق لها أن وقعت في الغرب مع اختلاف التفاصيل ولكنها كانت أعمق وأسوأ أدت في النهاية إلى إحداث شرخ كبير جداً في المجتمع الدارفوري الذي تعايش وتصاهر لمئات السنين، و قادها سياسيون باحثون عن السلطة استنجدوا بالخواجات بحجة أن هناك تصفيات عرقية فجاءوا فوراً ولكنهم تراجعوا بهدوء عندما تأكد لهم أن الأمر مصالح سياسيين اتخذوا الفتنة وسيلة لها، فهي الأسرع إلى المصالح من الكفاح المدني الشريف والضغط السلمي الذي يتطلب قادة بمهارات عالية مثل مانديلا وغاندي ومارتن لوثر وغيرهم . الحكمة السودانية تقول( السعيد يشوف في أخوه)، وأعتقد أن أهل الشرق يجب أن يتعظوا مما حدث في دارفور وانتهى بهم إلى البحث عن طريق يعيد دارفور إلى ماضيها قبل الفتنة، وبلا شك لا سبيل لذلك غير السلام ومعالجة الأمور بما يحقق مصلحة الجميع كبشر لهم الحق في الحياة، ومن الحكمة أن يبدأوا من حيث انتهى الآخرون وليس من حيث بدأوا، ومشكلتهم الآن بسيطة يمكن معالجتها بمحبة وسلام، فهم عقدوا مؤتمراً لم يجف مداده وأوصوا بتقرير المصير وأن تستجيب الدولة لمعالجة قضايا الإقليم، فكيف لهم أن يختاروا رئيساً وهم بهذا الحال. نقول لمواطني الشرق باركوها واتفقوا على والٍ محايد يوقف تمدد هذه الفتنة التي لن يضيع فيها سياسي ولا مسئول ولا قائد ولا أحد من أعيان المجتمع، وإنما فقط سيضيع المواطنون الذين لا يتذكرهم كل أولئك الناس إلا حين يشعرون أن هناك أمر يهدد مصالحهم ولابد من ضحايا بعيداً عن عائلاتهم، باركوها وحافظوا على أرواحكم وممتلكاتكم والسلام الاجتماعي الجميل الذي بينكم.
اسماء محمد جمعة
[email protected]