علي قلقٍ ..!

0
11
د. محمد حسن فرج الله
د. محمد حسن فرج الله

شوبنهاور ؛ فيلسوف التشاؤم وصف الحياة بعبارة مرعبة يجفل منها القلب والخاطر:
” الحياة بندول ساعة ، يتأرجح بين الألم و الضجر ..! ”

الملحن (كارل اورف) ألّف مقطوعة موسيقية كئيبة و مخيفة سماها كارمينا بورانا ، ( عجلة القدر ) ، أو ( أنشودة الشيطان ) وأستند في تأليفها علي 24 قصة من العصور الوسطي ، و ترتكز فكرة هذه النصوص علي دوران عجلة القدر ، ففي كل نص موسيقي تدور عجلة القدر لتحول البهجة الي ألم و الأمل إلي مرارة و الانتصار الي خيبة و كأن الحياة دوامة من العذاب الأبدي تتخللها فقرات قصيرة من البهجة الزائفة و أوهام الأمل …!

أجري الروائي النيجري تشينو أتشيبي في تحفته الأدبية ( الأشياء تتداعي ) مقارنة سوداوية بين ( القلق ) و (الحزن ) ، خلص فيها الي أن القلق أسوأ من الحزن ، لأن الحزن فيه سكون ( محطة ) و القلق مفتوح علي كل الإحتمالات ( طريق )
“القلق أسوأ من الحزن ، لأن القلق طريق و الحزن محطة ”

لم أجد بين ما كتبه رواد الأدب الأولين و الآخِرين أبدع من وصف أبي الطيب لحالة ( القلق ) التي ألمت به في رحلة بحثه المضطربة عن مجدٍ لم يدر أنه بين أصابعه و ذهب ينشده في آفاق الأرض و فلواتها
كأن الحزن مشغوف بقلبي … فساعة هجرها يجد الوصالا
كذا الدنيا على من كان قبلي … صروف لم يدمن عليه حالا
أشد الغم عندي في سرور … تيقن عنه صاحبه انتقالا
فما حاولت في أرضٍ مقاما … ولا أزمعت عن أرض زوالا
على قلقٍ كأن الريح تحتي … أوجهها جنوبا أو شمالا

في العلوم النفسية التي تهتم بالانواع المرضية من الإكتئاب و القلق الذان يختلفان نوعاً و مقدارا عن الحزن و القلق الذين يختبرهما معظم الناس ؛ الفصل بين الإثنين أصعب من الفصل بين الماء و اللبن أو الروح و البدن ؛ لأن حدوث واحد منهما غالباً ما يترافق مع الآخر ، و لحسن الحظ و لربما للمزيد من التأكيد علي الإرتباط الوثيق بين الإثنين ؛ فإن الأدوية التي تعالج الإكتئاب المرضي هي ذات الأدوية التي تعالج القلق المرضي ، التي غالباً ما تتكامل مع التدخلات العلاجية النفسية غير الدوائية…!

د. محمد حسن فرج الله
[email protected]