قراءات في فضاءات السرد الجنوبسوداني (١-٢٠)

0
7
أحمد ضحية
أحمد ضحية

 صحارى غابة الأبنوس:
قراءات في فضاءات السرد الجنوبسوداني (١-٢٠)

“الأدب الأفريقي هو أدب منطقة تم تحديدها عاطفيا، على أساس قاري، ثم راح يبحث عن أدق مفهوم، لهذا التعبير.

فانتهى إلى القول: بأنه الأدب الذي يصور واقعا أفريقيا بجميع أبعاده، بما في ذلك، الصراع مع القوة المسيطرة على القارة، والنزاعات داخلها.. سواء أكان الأديب من أصل أفريقي أم غيره”

الكاتب الجنوب- أفريقي

مازيسي كونيني”

مقدمة

المثلث والدائرة: الكولونيالية وما بعدها
تيارات ولغات في فضاء السرد الأفريقي

 إذا كانت الكتابة مقاومة للموت، فالسرد هو وطن الكاتب، ومن الأمور اللافتة للنظر فى السودان الكبير، فترة ما قبل إنفصال جنوبه، ظاهرة الكُتاب اللاجئين و المهاجرين و المغتربين، فكثيرون وجدوا أنفسهم مضطرين، لترك البلاد الكبيرة و الإغتراب أو الهجرة، إلى منافٍ بعيدة، أو وجدوا أنفسهم بهذه المنافي: في أمريكا وأوروبا والعالم العربى.

وكتبوا كثيراً من الأعمال الرائعة، في مجال القصة والرواية، بحاجة لإفراد دراسات وأبحاث بكاملها، لإكتشاف القوانين التي تتحرك فيها.

بعض هذه الكتابات كتب باللغة العربية، وبعضها الآخر بالإنجليزية، يعاني غياب اللغة الأم، عن مشروعه الأدبي!! وبعضها وصل السودان، وأغلبها لم يصل!

ومن أشهر هؤلاء المهاجرين والمغتربين، على مستوى السودان الكبير، بروفيسور فرانسيس دينق، و ليلى أبو العلا وإبراهيم بشير ابراهيم، وأحمد محمد الأمين، وعبد الفتاح عبد السلام وطارق الطيب -الذي في الحقيقة لم يولد أو يعيش في السودان، وفكرته عن الوطن غامضة، كما لاحظت في إجاباته على حوار، كنت قد أجريته معه بالقاهرة للصحافة السودانية، في العام ٢٠٠٥، فهو في تقديرنا حالة خاصة، تناولناها في كتاب آخر! (١)

وقد مثل هؤلاء وأولئك، سفراء للسرد السودانى، في البلدان التي نشروا فيها أعمالهم الرائعة، التي ينقصها “النقد المنهجي الجاد” فى السودان، لإحيائها كجزء من نسيج التجربة السردية، فى المشهد الثقافي السودانى!

إن الدور الذي يلعبه “الأديب الحديث”، لهو مشابه جداً لدور “الفنان الشفاهي القديم” الذي لبى حاجة الجماعة، بشفاهياته في مناسباتهم السعيدة والحزينة! (٢).. فالجماعة لم تكن في حاجة لغيره، لأنها لم تكن تعرف القراءة والكتابة.

لذا كان الكاتب أو الفنان التقليدي –ومازال– منشغلا بالقيم قبل أي شيء آخر، ولذلك أطلق عليه إسم “الضمير الشقي لأمته” بتعبير سارتر، أو “الوعي الشقي” بلغة هيغل، في نقده لكانط (٣) وبلغة  الشاعر والمسرحي النيجيري (وول سوينكا) الفنان التقليدي هو: “مسجل لأخلاق مجتمعه وقومه، وكذلك هو صوت للرؤيا في عصره”.. لكن مع التغييرات، التي طالت الواقع الإفريقي، واتساع رقعة التعليم، أصبح هذا الدور منوطا بالكاتب الحديث!

وفي هذا المعنى، يرى الروائي النيجيري (تشينو أتشيبي) أن وظيفة الكاتب في أفريقيا المعاصرة، الغوص في القضايا الإجتماعية والسياسية الكبيرة،  فذاك هو ما يحدد قيمة موضوعه”..

أو كما يرى الروائي السنغالي (صنبين عثمان): حين يبدع الأديب فهو لا يفكر في العالم، وإنما يفكر في بلده” (٤)

و من هنا -في ظني الخاص- أن تناول موضوع (السرد السوداني)، باعتباره يقع بين امتدادين: عربي- أفريقي، إبتداء يعني الإشكاليات التي تحيط به وتحاصره في هذين الامتدادين، ويعمل على نقدها، باعتبار أن السرد بحد ذاته (أداة تحليل) للمتناقضات!

ومن أولى المشكلات، التساؤل المنهجي: وهل هناك حقا سرد (سوداني)؟!.. وكيف نتعامل مع هذا المفهوم، (الهُوِٓيَٰوِٓيْ)؟!

والشاهد أن السرد السوداني يقف في منزلة بين منزلتين، بانتمائه الجغرافي والثقافي، للقارة الإفريقية، واتصاله في الوقت نفسه، بسرديات أكبر وسط (ثقافي لغوي عربي) في العالم، يتمثل في مصر!

ولذلك في تقديرنا الخاص، أن سرد (السودان الكبير) مزيج من عوالم الثقافتين الأفريقية والعربية. وهنا تبرز قضية أكثر خصوصية، لدى تناولنا للسرد الجنوب- سوداني، في الإطار (الهُوِٓيَٰوِٓيْ) نفسه.

فعلى الرغم من عمق اتصاله بالسرد الإفريقي، وبالتالي ما يطرحه هذا السرد من مفاهيم (زنوجة وأفريكانية) إلا أنه في الوقت ذاته، يتصل بالسرد (الشمال- سوداني)، بما ينطوي عليه من اتصال وتواصل، مع السرد العربي واشكالياته الخاصة!

وقطعا أن الظروف الخاصة والإستثنائية، التي نشأ فيها السرد (الجنوب- سوداني)، والقضايا التي انشغل بمعالجتها، والأدوات التعبيرية والجمالية، التي توسل بها نصوصه، تختلف عما انشغل به السرد في السودان الشمالي، وأدواته التي يوظفها في النص السردي، إلى حد كبير!

إن القبيلة الإفريقية، تحدد للفنان أمورا كثيرة، وتلزمه بروح الجماعة، التي تنشئ في الأدب، المحتويات الخصبة للثقافة، وكذلك المسؤولية المحددة للفنان، إزاء هذه المحتويات.

هذه المفاهيم التحديدية المختصرة، لا تتعارض مع كون السرد، أي سرد هو في التحليل النهائي، يمتد ويتمدد إلى أفق إنساني لا يعترف (بالهُوِٓيَٰاتْ) ولكن، إنطلاقا من خصوصيته ومحليته وعوالمه، التي تميزه عن سرديات العالم، لكنها تفضي بالنهاية إلى الجوهر الإشكالي الإنساني، في صراع الإنسان الأزلي المستميت، في سبيل الحرية و العدل والحق و الجمال!

ما هو لافت للنظر أن نشأة السرد الحديث في جنوب السودان، اتصلت إبتداء بالآدب الانجليزية، نظرا لكون الجنوب ظل إستثناء، بين أجزاء السودان الكبير، خاصة أنه خضع في فترة الاستعمار، لقوانين المناطق المقفولة (٥)!

ولكن لا ينفي ذلك، خضوع هذه النشأة على نحو ما، لتأثيرات ومؤثرات وعوالم، وافدة من السرد العربي، عبر السرد (الشمالسوداني)، والذي هو الآخر اتصل بالآداب الأوروبية، ولكن على  عكس السرد (الجنوبسوداني)، أغفل الاتصال والتواصل مع  السرد الافريقي!

غني عن القول، أن شعوب أفريقيا، تتحدث أكثر من ألف لغة محلية، وبطبيعة الحال يشمل هذا الرقم، لغات دولة جنوب السودان.

و من جهة أخرى، نلاحظ أن السرد (الجنوبسوداني)، بقدر ما يعاني غياب اللغة المحلية (الأم) في الكتابة السردية، يعتبر من جهة سرد عربي، لأن جزءاً مقدرا منه كتب باللغة العربية، وهو سرداً أوروبياً لأن جزءاً مقدرا منه كتب باللغة الإنجليزية!

وذلك لأن السرد الافريقي، كتب بلغات المستعمِر نفسه، والتي برغم استلابيتها للشعوب المستعمَرة، ونقلها للذاكرة الإستعمارية، إلا أن الروح الأفريقية المتمردة، وظفت هذه اللغة الاستعمارية، كأداة تعبير عن الوجدان الثقافي المحلي لافريقيا، بتراثها المتنوع، وأساطيرها وحكاياتها الشعبية المدهشة!

وصحيح أن التعبير بلغة لها ثقافتها الخاصة، التي تختلف في (نظامها اللغوي)، عن نظام اللغة في أفريقيا، بمثابة أحد التحديات الكبيرة، التي واجهت الكاتب الافريقي (٦)!

ومع ذلك نجد أن الكاتب الأفريقي، تمكن إلى حد كبير من إحلال موروثه الثقافي، وتبيئته في أنساق هذه اللغة الاستعمارية، بحيث أصبحت وعاءاً لثقافته الإفريقية، بعد أن أزاح قيمها الثقافية الخاصة بمجتمعها الإستعماري!..

هذه العملية (الحفرية) المعقدة، تبدو كما لو أن الكاتب الأفريقي مارسها بعفوية، في سياق (ميكانيزمات دفاع ثقافي) فطرية أو غريزية!

يُعَرِف الروائي النيجري (تشينو أتشيبى) الأدب الأفريقي، بأنه مجموعة من الوحدات المترابطة، أي هو المجموع الكلي للآداب القومية، والعرقية في أفريقيا، وبذلك يكون الأدب الأفريقي هو الأدب الوليد في البيئة الأفريقية، ومن قبل أبناء القارة الأفريقية أنفسهم، معبرا عن مشاعرهم وانفعالاتهم” (٧)

وزبدة القول هنا، أننا لا ننحو نحو تعريفات مطلقة، لكوننا معنيون بالاعتبارات الخاصة، بالأدب الأفريقي عامة، والسرد على وجه الخصوص، وذلك لأن مشهد السرد في أفريقيا من التعقيد بمكان، إذ لا تزال هناك تلك النظرة التي حددها المستعمِر، والتي تعرف أدب أفريقيا، كأدب بدائي.

يقول الروائي الاريتري حاجي جابر:

“أنا آتٍ من بلاد لها امتدادين، واحد في السودان، وآخر في إثيوبيا، وهناك مساحة كبيرة ومغايرة في الثقافة ما بين البلدين، هذا يخلق حالة من التضاد، لهذا أنا أؤمن بأن الأدب يوجّه للإنسان وعن الإنسان.. يطرح قضاياه ويعالجها، ولا جنسية له بل الذي يحكم هو النص ومضمونه”(٨). ولا شك أن هذه النظرة مثالية، تتعالى على واقع الثقافة المحلية التي يعتبر السرد ربيبها!

وفي الحقيقة، أن ما يراه (جابر) يمثل تيارا قويا في مفهوم الأدب الأفريقي، له رموزه الفاعلين في كل دول أفريقيا، ففي نيجيريا يتبنى الروائي المميز (نامدي إهيريم)، وجهة نظر قريبة الشبه؛ من وجهة نظر (جابر)، إذ يُعَرِف الرواية الأفريقية، بأن مفهومها:

“يتجاوز الحدود الجغرافية، ويصل إلى ضرورة الإهتمام بهوية السرد، فنحن نكتب بالإنجليزية، لأننا نسعى للوصول إلى القارئ، الذي يفهم ما نكتبه.

من الصعب أن نكتب له باللغة المحليّة، لشدة تنوعها وثرائها في بلداننا (..) الناشر يفرض عليك أن تكتب بلغة يستطيع هو نشرها (..) جهود الترجمة أوجدت حلولاً للتواصل بين الأدباء بعضهم البعض، وبين القراء على الضفة الأخرى (..) الظروف الآن تغيّرت، بات أي شخص يستطيع أن ينشر ويُعَرِّف بأعماله.. الانترنت فتح المجال للجميع على هذا الصعيد (..) لدينا الكثير من القصص والحكايات، ذات المضامين الثرية، التي تعرف بثقافة البلدان الإفريقية، ومازال هناك الكثير، ليتم العمل عليه، لتقديم هذه الحضارات و الثقافات الإفريقية، للقارئ، بلغة تسمح له بفهمها وهضمها (٩)”

و يرى آخرون، ضرورة إستخدام الكاتب الأفريقي، (للغات الوافدة)، للتعبير عن عمله الفني، على إعتبار أنه ليست هناك لغة إفريقية محلية، تعم كل الشرائح والفئات والمكونات الإجتماعية، للبلد الإفريقي الواحد، فكل بلد من بلدان إفريقيا يزخر بعشرات اللغات المحلية، باستثناء الصومال (١٠)

ولا شك أن استخدام اللغات الاجنبية، يتيح التعريف بثقافة و آداب وفنون القارة الأفريقية، وقضاياها كقارة لا تزال تعاني من (الكولونيالية وما بعدها) بكل الغبن الأفريقي التاريخي والراهن، تجاه الاستعمار وتجارة الرقيق، وصولا لأنظمة الإستعمار المحلي، و الممارسة السياسية الفاسدة!

أن الإنسان الأفريقي، ليس هو ذلك الذي ولد ويعيش في إحدى دول القارة السوداء، فتاريخيا من أطلق مفهوم (أدب أفريقي) هم في الحقيقة، (الكتاب السود) في الولايات المتحدة الأمريكية، و الكاريبي، كالصرخة الداوية وسط الزنوج الناطقين بالفرنسية، لا يميه سيزير  عندما هتف:

مرحى لأولئك الذين لم يخترعوا على الإطلاق،

أي شيء.. لأولئك الذين لم يرتادوا على الإطلاق،

أي شيء.. لأولئك الذين لم يغزون على الإطلاق،

أي شيء..

مرحى للفرح.

مرحى للحب.

مرحى لألم الدموع المتجسدة (١١)

فالذي يفكر في وجود مفهوم أدب أفريقي، أو سرد أفريقي بعمق، يستشعر بوضوح، إنما هو كمفهوم ليس إلا بمثابة الإستجابة للتعبير، عن مفاهيم مشتركة، تجمع بين الشعوب الإفريقية، وشعور تاريخي موحد، يتعدى الأدب والتاريخ، ليضرب في كيان التراث الأفريقي، الذي يجمع الأفارقة (١٢)، بقبائلهم المشتركة، العابرة للحدود والأخرى، المقيمة!

إذا ألقينا نظرة عابرة، على اللغات الوافدة إلى أفريقيا، نجد أن عدد المتحدثين بالبرتغالية، يتجاوز عشرين مليونا، وهو رقم يفوق عدد المتحدثين بها، في البرتغال نفسها، والتي لا يتجاوز عدد سكانها عشرة مليون!

وأن المتحدثين بالفرنسية، لا يقل عن خمسين مليون، فيما عدد سكان فرنسا أكبر من هذا الرقم بستة عشرة مليونا فقط!

لكن ما هو جدير أكثر بالملاحظة، ما أطلق عليه الكاتب الكينى علي مزروعي (الأفرو- ساكسونية) إذ لاحظ أن الانجليزية، لشدة الإغتراب الثقافي، أصبحت في كينيا وأقطار إفريقية أخرى، هي (اللغة الأم!) إذ لا يقل عدد المتحدثين بها عن مائة مليون إفريقي!.. وهذا بطبيعة الحال يمنح افريقيا، قابلية غزو آداب العالم عموما، وأوربا خصوصا، بفضل هذا الثراء اللغوي! (١٣)

ومع ذلك نجد من جهة أخرى، أن دور هذه اللغات طارئا وليس أصيلا، شبيه بالدور الذي لعبته اللاتينية في أوربا العصور الوسطى، حين احتكرت الحياة الثقافية والأدبية، في دول مثل فرنسا وأسبانيا لقرون طويلة!

أيضا، ثمة تيار يرى أن دور الأدب، بل مسئولية الأديب، تنطلق من شعبه ومجتمعه، حيث تنبع قيمته من لغة الإتصال والتواصل بينه وبين العامة في وطنه، فثمانين بالمئة، ممن يستهلكون منشورات الأديب، هم خارج بلده ومجتمعه. وهؤلاء لا يتفاعلون معه، وبالتالي ينظر العامة إلى الأديب، نظرتهم إلى النخبة المنعزلة في الأبراج العاجية.

“و من جهة أخرى يرى هذا التيار نفسه، أن تبنى أدباء أفريقيا للغات الوافدة، يودي بحياة الثقافة الأفريقية، التي لن تجد وعاء مناسبا لها، خارج الخارطة اللغوية في أفريقيا، التي أوجدتها!

وأن اللغة أيا كانت هي (عضو) مهم من أعضاء الجسم الثقافي، الذي برزت منه، وغرسها في جسم ثقافي آخر، غريب عنها، لا يؤدي الغرض إلا مؤقتا، ومآلها إلى تشويه الثقافة وتثبيطها (١٤)”

وفي السياق، يستعمل (شيخ أنتا ديوب) مصطلح  (الاستنزاف الثقافي) لتصوير، ما أسماه بخطر (الاستيراد اللغوي) في أفريقيا.

ويذهب الكاتب السنغالي (صمبين عثمان)، في الإتجاه نفسه، بأن استخدام اللغات الوافدة في أفريقيا، كان صدفة تاريخية، لم يعد للأفريقي ثمة مبرر، في مخاطبة جمهوره بها، بعد زوال الإستعمار.

ويرفض (أنصار عثمان) طرح مسألة (التداخل اللغوي) في أفريقيا، أو عالمية اللغات الوافدة، كمبرر لإستخدامها،  على إعتبار، أن هناك لغات في أفريقيا، عدد المتحدثين بها أكبر من عدد البريطانيين والفرنسيين أو البرتغاليين.

فالسواحيلية في شرق أفريقيا؛ والهوسا و الماندنكو من جمهورية مالي إلى تشاد، تتحدث بها عشرات الملايين من الناس! فواجب الأديب الأفريقي، أن يعطى أولوية للغة الأكثر انتشارا في بلده؛ فليس هناك معنى أن ينشر الأديب في جنوب أفريقيا باللغة الانجليزية، وهو في كوازولو؛ أو ينشر بالفرنسية وهو في السنغال، مثلا (١٥) حيث خمسة وتسعين بالمئة من السنغاليين، يتحدثون (الولوف) ويفهمونها.

إن (ليوبولد سدار سنغور)، كرائد، كان قد طرح مشكلة استعمال اللغات الأفريقية، بكل وضوح، في نص له بتاريخ ١٩٣٧ حول موضوع (المشكل الثقافي)، مجلة ا. و. ف. حيث أوصى بسياسة تربوية، ترتكز على إستعمال اللغتين (الأفريقية والفرنسية)، لأنه كما يقول: “ليس هناك حضارة بدون أدب، يعبر عن القيم، وبدون أدب مكتوب، ليست هناك حضارة تذهب، أبعد من أبسط معرفة بخصائص الشعوب، لكن كيف لنا أن نفهم أدبا، يتم زرعه، في لغة غير لغة البلد؟” (١٦)

وبعد ذلك وفي سنة ١٩٤٥ يعود سنغور، إلى مسألة اللغات الأفريقية مرة أخرى: “أين يمكن لنا أن نجد تعبيرا، أكثر أصالة عن هذه الحضارة، إن لم يكن في اللغات والآداب المحلية لهذا البلد؟!.. إن اللغة جزء مكمل للثقافة، واللغة كوسيلة للتعبير وتوصيل الأفكار، تشارك أيضا في تكوين نفسها، وهكذا فإن إستعمال الإنسان للغة أجنبية، للتعبير عن ثقافته وتوصيلها، ينتهي به إلى تغيير رسالته التعليمية، وإلى عدم الأمانة” (١٧)

هوامش:

(١) حوار أحمد ضحية مع طارق الطيب، صحيفة الصحافة، الملف الثقافي، ٢٠٠٥

(٢) د. علي شلش، ألوان من الأدب الإفريقي، هيئة الكتاب “سلسلة المكتبة الثقافية”، القاهرة،  ١٩٧١

(٣) ورقة حسن العاصي، فينومينولوجيا؛ شقاء الوعي: مأزق المثقف العربي، شبكة النبأ المعلوماتية، ٢٨ نوفمبر ٢٠١٨

(٤) شوقي بدر يوسف، الرواية الإفريقية: إطلالة مشهدية،  وكالة الصحافة العربية، الطبعة الأولى ٢٠١٧

(٥) هو قانون أصدرته إدارة الحكم الثنائي، عرف بقانون المناطق المقفولة، والذي حددت بمقتضاه مناطق في السودان يحرم على السودانيين غير الجنوبيين دخولها أو الإقامة فيها، دون تصريح رسمي. بل إذا تزوج سوداني من شمال السودان بسودانية من جنوب السودان، لا يستطيع أخذ أطفاله عند عودته إلى شمال السودان.

أحد الأهداف الأساسية لهذا القانون، وقف انتشار اللغة والثقافة العربية في الجنوب، والحد من التمازج الاجتماعي والتلاحم الوطني! وهو ما حدث بالفعل!

(٦) إسماعيل زنغو برزي، المشهد اللغوي في افريقيا- مسار وعوائق، قراءات إفريقية ٢٠١٧

(٧) تاريخ وواقع الرواية الإفريقية، هيئة، الشارقة للكتاب، الدورة ٣٨، أكتوبر ٢٠١٩

(٨) السابق.

(٩) نفسه.

(١٠) إسماعيل زنقو برزي، السابق.

(١١) لورنس كورباندي كوديس، الأدب الافريقي الحديث، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، الطبعة الأولى ٢٠١٩

(١٢) السابق.

(١٣) إسماعيل زنقو برزي، السابق.

(١٤) شوقي بدر  يوسف، السابق.

(١٥) إسماعيل زنغو برزي، السابق.

(١٦) لورنس كورباندي كوديس، السابق.

(١٧) نفسه.

نواصل….

أحمد ضحية
كولشيستر، فيرمونت
يناير ٢٠٢٠
[email protected]