يا عشّاق العالم وشعوبه المتحاببة إفرنقعوا..!

0
9
عادل الرحمن
عادل عبد الرحمن

بالأمس زارنا أخي حسين، دخل علينا تاركا عصافيره الأربعة وأمّهنّ خارجا داخل السيّارة. وحين خرجت عليهنّ مسلّما البنات إلتفتنّ إلى الأمّ – قبل ردّ التحيّة – متسائلات يطلبن الإذن بالرد (…!) وحين أشارت عليهنّ بالإيجاب تدافعنّ عبر النوافذ فاردات أياديهنّ مرحبّات. فردُّ التحيّة بالقبل والأحضان – كما كانت العادة –

صار في عهد الكرونا من الموبقات، مسك الأيادي يجب أن يسبقه مسح الأكفّ قبل السلام وبعده بالمُطهّر.. فالريبة والتحوّط بينك وذو القرابة هُما، في زمان الكرونا، شعارُ وبيان المرحلة؛ فما بالكَ لو كنت مُرحّباً والغريب! تذكّرت عطسة الموظّف، في قصّة أنطون تشيخوف، على صلعة مديره – الذي كان يجلس أمامه في صالة مسرح – دون قصد – فإرتعب المسكين وظلّ يتمتم بالأسف طيلة العرض المسرحي حتى ذهب إلى بيته وإرتمى على أريكته وماتْ.. فما بالك إذا ما داهمتك العطسةُ في زمن الكرونا وأنت تسير على طريق عام لترعب المارّة فيمطرونك بالسُباب واللعنات والإهانات، فهاهنا لن تنفعك الإعتذارات أو البسمات المطمْئنات، وسوى أن تلملم إرتباكاتك وتُطلق ساقيْك للريح.

عطْسةْ بطل قصّة تشيخوف لمْ “تفضح” ولم تقتل سواه، أمّا عطسة عابر سبيل اليوم فضحت منظومة الدول الغنيّة قبل الفقيرة، فضحت نظامها الصحي الطبقي اللا إنساني، فضحت عنجهيّة الأغنياء الذين تباعدوا عن الفقراء منذ أزمان عديدة كي لا تمسّهم سموم ورائحة العوَز وأدرانه، فضحت هشاشة أسوارهم فأظهرتهم مذعورن داخل قصورهم الفارهات يتتطيّرون من عطسة الخدم والقريب والحبيب. طبعا أنّ الإسم العلمي لكورونا “كوفيد” هو أصلا مستمدّ من الكلمة العربية على الطريقة السودانيّة: كفوة؛ كفوةٌ هوجاء إجتاحت العالم. ولأوّل مرّة في تاريخ البشريّة تتعالى الأصوات منادية بالإبتعاد عن الآخرين مَهمنْ كانوا (يوم يفرّ المرءُ من أخيه وأُمّه وبنيه…) بدل التقارب، للحفاظ على وجود نوعنا على وجه البسيطة..! بتُّ أسائل نفسي صباح مساء هل أنا أمام شاشة فلم رُعب، امام حُلم كابوسي..، أم أنا حقّا أشهد واحدةً من إمارات هشاشة كينوناتنا كبشر، على فنائنا إن لم نعتبر. أنا موقنٌ بأنّ الإنسان سيوقف هذا الفيروس عند حدّه، بأنّ بقيّةً منّا ستبقى لمواصلة الحياة على الأرض.. ولكن، هل ستبقى حماقاتنا كبني آدم، أم هل سنلتفت إلى الخطَرَيْن الذان يهدّدان عالمنا بالزوال، بما هو أعظم: خطرُ حرب نووية، أو الإحتابس الحراري الذي سيخنقنا..؟!! هذا التناقض العجيب، تفرّقوا كي تسلموا، هو ما يحدث في الحقيقة عند نشوب المعارك حين يمطرك العدو بالقذائف. وها نحنُ في حربٍ ضروس، وليس مجرّد مَعرَكة، مع فتك الطبيعة حين تكشّر عن براثن نواياها الخبيثة.

وحين ذكرتُ أن إسم هذا الوباء مستمد من كلمة سودانيّة، لم أقصد الفَكاهة، بل عنيْت بأنّنا حقّا في خضم كفوة قلبت المفاهيم والمعتقدات رأسا على عقب: صلاة الجماعة التي تُعاظم الأجر صارت وبالا، إستبدل الأمريكان تحيّة الأكف بأن بأن يمدّوا الأرجل والكواعب، الطبيبُ المُداوي صار أوّل مَن يمرض، التاجر المتلهّف على قبض النقود دون عابئٍ بمصدرها أصبح مطالِبا بغسلها (تعقيمها؟!) أوّلا، وبدل أن تصيح مَن الطارق صرت علّام غيوب – فمَن يطرق الباب هو شبح كورونا بلا ريبْ

عادل الرحمن
[email protected]