بدأ انهيار العالم حين هبت، لأول مرة، تلك الرائحة الغريبة من أبدان الغزاة -رائحة الثعابين البيتية وهى تستلقي على بطونها في العتمة، بين شقوق الحيطان وأحطاب السقوف، بينما تفوح من بطونها تلك الرائحة النحاسية الغامضة … رائحة العرق والقروح المتسلخة، رائحة الشمس المدارية العالقة بأجساد الغرباء الذين لا يغتسلون مثلنا مرتين وثلاث مرات في اليوم. ولكنها أيضا، وبصورة لا يخطئها الأنف رائحة الغزو والحضارة التي تحوم حول الغرباء المنتصرين. قالت رسلهم أنهم يمرون ببلادنا مجتازين غير مقيمين. وأنهم يتجهون إلى المملكة الكبيرة في الجنوب، مملكة السلاطين الزرق. وقالوا إنهم لا يريدون منا سوى الوقود لطعام الجيش والعلف لدوابه، ثم يفارقوننا في السلام. صدقناهم وأعددنا لهم أحسن ما نطيق من الضيافات. جهزنا الدور والذبائح والمأكول والمشروب. وحشدنا قومنا في أنظف أزيائهم وأبهاها. ولكن ضيوفنا لم يتصرفوا كضيوف عابرين وإنما كأصحاب دار اختاروها بأنفسهم -دون تشاور معنا – معسكرا للجيش، ومضربا لخيام الباشا وكبار رجالاته. وبعد وصولهم بزمان تذكروا صاحب الدار فتعطفوا وأبلغوني أن الباشا سوف يستقبلني في نفر قليل من قومي لا يتعدى الثلاثة أشخاص، وذلك لبرهة وجيزة لا ينبغي أن تطول لأن الباشا مرهق من السفر والمعارك وخيمته لا تتسع لاستقبال الحشود. استقبلنا جالسا وبين يديه النارجيلة- وجه أحمر سمين تتقاسم مساحته الكبيرة لحية حليقة خضـراء وبثور كبيرة، ويختفي جبينه الضيق تحت طربوش أحمر مستقيم. واستقبلتنا تلك الرائحة النحاسية الغامضة التي تفوح من أجساد الغزاة والثعابين. تفرس وجهي بحقد وإعجاب. نظر إلى الأذنين الكبيرتين، والعينين الفصيحتين والفم العريض بثناياه وشـــاربه الغزير. وملأ عينيه من القوام الرياضي الفارع والساعد المليء بالعروق، ثم راطن حاشيته قائلا: – هذا أقرب ما رأينا في هذا القفر إلى أشكال الملوك. وحين رأى طيف الاستياء على وجهي سألني ملاطفا: – هل لك قرابة بالمماليك؟ فقلت إن نسبى الصريح يجعلني أبن عم للرسول. ضحك ضحكا صاخبا وخبط على صدره ثم على بطنه وراح يرامق ر جال الحاشية ويعاود الضحك وبعد دهر كامل من الغضب والاحراج التفت ناحيتي وسأل: – الرسول محمد؟ ابن عمك استجمعت كتلة الغضب التي راحت تشتعل قي صدري وقذفتها في وجهه الضاحك -نعم فتأملني مبتسما وقال صلى الله عليه وسلم. 00 كنا جمعا من شيوخ البلد وكبارها.. عُمد ونظار جمعنا الباشا وجعلنانتجمع خلفه كلما دخل بلدا أو أوقع بعدو ..يرانا الناس فيقولون هاهم كبار بلادنا يسيرون في معيته فلا بد انهم يرون أحقيته بدخول بلادنا وحكمها..لقد اذعنوا له وهم مشايخ القبائل الكبرى فمن نحن لنخالف ولا ندخل في طاعته. لقد حولنا دون علمنا ورضانا الى تابعين ولكنه دون ان يدري اعطانا الفرصة لنعرف بعضنا ونتبادل السخرية من شخصه ومن حكمه ونعقد تحالفاتنا ضده ونجددها من يوم الى يوم. يريد هذا التركاوي ان يحكم بلادنا ولكنه أخرق وغشيم نحن ملوك وأبناء ملوك وبيوت عز وأمجاد فمن هو ليتقدمنا؟ وكنا نحصي سقطاته ونهول من امرها ونعدد ما سنفعل به وبأجناده يوم تجتمع كلمتنا على الثورة والخروج. في تلك الأيام البعيدة كان معنا الشيخ نعيم الله من عرب سنار يعود أصله الى المغرب العربي والى قبيلةمن أشراف الشناقيط .لم يكن يشاركنا حماسناوثقتنا بهزيمة العثمانية: (لقد قلنا مثل هذا الكلام حين جاء الفرنساوية الى بلادنا.كنا نقول انهم بضعة الوف ونحن اهل الصحراء نعد بمئات الألوف واذا كانوا غلبونا في البداية فان ذلك ليس لقوتهم و لكن لان جموعنا العديدة لم تدخل معنا المعركة بعد .ورددنا نغس كلماتكم التي تقولون الآن من ان الكل سيأتي ويقاتل معنا لوصدقنا العزيمة وأصرر نا على القتال.) لم اكن أحب الشيخ نعيم زلا احب أفكاره وربما لذلك سألته متهكما” “وماذا تريدنا نفعل ياسيدنا الشيخ؟؟” وهنالك سمعت لأول مرة اسطورة المنتظر التي كرست لها بعد ذلك كل ما بقي لي من حياة. كنا في معيتة حين جاءوا بحفيد السلاطين القدماء، وجردوه من ثيابه العليا، وصنعوا ثقبا في سراويله من الخلف. ثم رفعوه وأجلسوه على العمود الخشبي المسنن، فخيل إلى أنني سمعت اللحم ينهتك حين بدأ الرجل ينزلق على العمود الخشبي الذي تبلل بدمائه. كان قد خرج على الحكومة واحتمى با مير حبشي عن سابق معرفة وود. ومعا حاربا حكومة الغزاة وألحقا بها الخسائر الجسام. ثم خضع الأمير الحبشي لإغراء المال فأخذ صديقه وسلمه لأعدائه مكتوفا بالحبال. بعد هول الصدمة الأولى فتح حفيد السلاطين عينين جاحظتين وطلب من جلاديه أن يعطوه سيفا يموت به كالرجال. وحينما اشتد عليه الألم راح يشتم ويسب ويعاير الباشا بأبيه تاجر التبغ الذي غدا ملكا في غفلة الزمان فلم يورثه شيئا من أخلاق الملوك. وعند ذلك احمر وجــه الباشا من الغضب وفاحت من بدنه تلك الرائحة النحاسية الغامضة فأمر بقطع لسان الرجل وظل حفيد السلاطين ينزف من فوق ومن تحت إلى أن مات. 000 في مدخل خيمته اخذوا منا سيوفنا قبل ان يدخلونا عليه وقال لنا الياوران متحببا: انتم حبايبنا وداخلين على افندينا وافنديكم., لاداعي للسلاح. كنا ثلاثة ..أنا وعقيد الخيل كبير فرساني والشيخ دياب مؤدبي ووالد زوجتي الملكة نائلة.أنا والعقيد أعطيناهم سيفينا أما الشيخ دياب فكان رجل علم ودين ولايحتاج لحمل السلاح. استقبلنا الباشا واقفا في وسط الخيمة الواسعة واضعا يديه على خاصرته على هيئة متنمرة غاضبة. وكنت أظن انني أعرف سبب غضبه وانحراف مزاجه فقد تأخرت عليه المؤن والأزواد وكان يظن ان والده الباشا الكبير بعثه الى بلادنا ليهلك فيها لا ليعود وينافس أخويه على العرش. كان وجهه كبيرا جدا وأحمر ومليئا ببثور كبيرة اشد احمرارا من بقية الوجه وكان يتحدث بسلطة كاملة كما لو أنني كنت من حاشيته او عبيده .وكان يرتدي بذلة سوداء فوق سروال احمر.وكانت البذلة طويلة جدا وتقارب في طولها السروال الأحمر الذي بدا لي انه يخفي داخله ساقين تليقان بفرخة مذبوحة. حدجني بنظرة نارية وقال لي بلهجة آمرة: – نريد منكم ألفا من الأبل ، وألفا من الخيول ، و ألف وزنة من الذهب. قلت له: – ليس ذلك متيسرا لنا. فشمخ بأنفه وحول بصره عني وهو يقول – لقد فرضنا ذلك المقدار ، ولا سبيل الى المراجعة. – واذا كنا لا نملك ذلك المقدار؟ قال لي: – ذلك شأنكم فقلت على الفور – وشأنكم أيضا. كان من حقي انا المظلوم أن اغضب واحتج ولكنه سبقني الى الغضب وقال لي بازدراء: – نحن لا نستجديكم… نحن نفرض وأنتم تطيعون. هل ذلك واضح؟ هل ذلك مفهوم؟ من خلفي غمغم عقيد الخيل جملة واحدة بالطريقة التي كنا نحرف بها الكلام في ايام الطفولة البعيدة لكيلا يفهمنا الأخرون. قال لي بتلك الشفرة القديمة ان اتذرع بالصبر ففكرت قليلا ووجدت ما حسبته حلا وسطا بين المجابهة والاستسلام فقلت له: – ليس واضحا ولا مفهوما. وليتني لم اقلها فقد تملكه الحقد والتباهي وغرورالسلطان فصرخ في وجهي: – في تلك الحال فان عقلك لا يستوعب الواضح والمفهوم.أنت تحتاج لتوسيع مداركك..ولعل هذا يساعدك. وعند ذلك هوت الصفعة على وجهي، فاهتزت أركان الدنيا الأربعة وغدت معدودة أيام الباشا على وجه الأرض. ففي مســــاء اليوم التالي احتوشته النيران في غرفة من غرف الضيافة بوادي عشيب. وتحولت سترة التشـــريفات التي كان يرتديها إلى رماد، وذابت أزرارها النحاسية في ضرام النار وتحولت إلى قطرات من النحاس المصهور. 000 قتلته وهاجرت الى الشرق جهة التخوم الحبشية. فدائما يهرب الهاربون جهة الشرق ليعششوا مع النسور في جبالها الشواهق. قتلته راضيا ان يلاحقني جيشه الغازي واذا استطاع ان يأخذني فلا بأس فمن يقع في الشرك كالعصفور يستحق الذبح كالعصفور. ولكنني لم أتوقع ان ينصرف انتقامهم الى من تخلف في وادي عشيب من الذين لم يرتكبوا ذنبا ولا جريرة : من الأطفال والنساء والطاعنين في السن ومن الحجر والشجر والجماد. 000 حين دخلت وأدى العنابسة حملة الانتقام ، وقتلت الرجال ، واجتثت صفوف النخيل، غدت نساء العنابسة ولايا بلا حارس أو نصير. فتسللن إلى النهر ودخلن في ضحضاحه وقد ربطن أنفسهن بالحبال في أيديهن وأعناقهن – كل فوج بحبل واحد طويل. وقلن للقائد العثماني أن يؤمنهن على أعراضهن أو يتركهن يغرقن في النهر. وبعد أن أعطاهن عهد الشرف والأمان، عاد وأطلق جنوده عليهن. نور الشام الأخت الصغري لزوجتي الملكة نائلة اختبأت في الخرائب لثلاثة أيام،و خرجت بعدها بهالة من الشعر الأبيض بدلا من الضفائر الطفولية لبنت في العاشرة. ومند ذلك التاريخ وحتى ليلة زفافها لم تترك أحدا من الناس يبصر هالة شعرها البيضاء. 000 جاست في قرى العنابســـة تلك الريح القاتلة، فقضت على كل شيء. كان هنالك مرضعات لا يرضعن أطفالهن ، وأمهات لا يصنعن الطعام لأولادهن، ورجال فقدوا شهية الحياة واستسلموا للسهوم تحت لفح الشمس وبرد الصحراء، إعلانا لشهوة الموت التي اخترقت أرواحهم وألزمتهم ذلك السكون. كان هنالك خرائب وأطلال. وحقول من الحنطة داستها سنابك الغزاة، وسواق غرقت في النهر، ونخيل مثمر اجتثته فئوس الغزاة. وكانت الشمس شاحبة والهواء ثقيلا، والنهر يترقرق نقطة نقطة كالدموع. آه يا عذاب القلب، آه جمــعوا مائة من شباب الوادي وكهوله، ووسموهم بوسم العبودية بين الإبهام والسبابة، وأرسلوهم إلى الباشا الكبير في أدنى النهر، عبيدا أرقاء. ورأى الباشا أن ذلك مخالف للشرع فأمر بإطلاق سراحهم. ولكن، وا قلباه، لم يستطيعوا العودة إلى أهلهم بوسم العبودية فتشردوا في آفاق الدنيا إخفاء للعار، وانقطعت عنا أخبارهم وقطع فيهم الرجاء. 000 لقد قتلت ملكا ، وحاربت جيشه المنتقم. وهربت عبر الفلاة وليس معي نقطة ماء. وكلما ضيقوا على الخناق كنت أستدير عليهم وأقاتلهم، ولكنهم كانوا يهزمونني في كل مرة. فقد كان معهم سلاح النار ولم يكن معي سوى السيف والرمح والخيول الكريمة. في جبال الهبوب وجدت مفرزة لهم تستقى من بئرها، فقتلت من قاومني وأسرت من استسلم. وفي ما بعد حين عششت على جبال الحبش كان حلمي أن أقتنى مزيدا من البنادق، وأطردهم بها من البلاد. وبعد البنادق العشرة الأولى أو نحو ذلك أدركت أن ذلك يقتضيني قرنا من الزمان، وجبالا من الذهب، فطردت الفكرة من رأسي. ولكن من يطردها من رأس مليكتى نائلة، العنبسية الداهية التي مضت تتاجر مع القبائل الوثنية، ومهربي السواحل، والمسافرين في داخلية البلاد لتصنع لنا كوما من الذهب لم نجد بالسهولة الكافية من يبادله بكومة من البنادق. فقد كان تجار السلاح لصوصا يريدون ذهبك ويعطونك مقابله بنادق تالفة ووعودا جوفاء أو ياخذون العربون ويختفون حيث لايستطيع ان يلاحقهم أحد. تحت أقدام الهضبة الحبشية ، دمرت مفرزة أخرى للعدو. وحرصت على أخذ رجالها أحياء. وتحت لسع السيياط ، أمرتهم أن يصنعوا لي البنادق ، فتوسلوا بكل الأنبياء والأولياء ، وأقسموا أن صناع السلاح لايخرجون من بلادهم البعيدة ولايذهب للقتال إلا من كان مثلهم يعرف استعماله ولا يعرف صنعه. وكان بين الأسرى سليمان الفرنساوى.. وهو ولد ابن أصول. جاء من بلاد الفرانسا البعيدة ومن قوم أشراف. فقد كان من نفس الجزيرة التي خرج منها الملك البونابرط الذي دوخ العالم والممالك. وقال لي عنه ولدى بالتبني ، محمود العنبسى ، انه يتمتع بقلب رءوف. وقال لي كرم الله الدليل انه كان شبه شريك في الكمين الذي نصبناه. وحين جئنا لنقطع لمحمود قدمه المسكينة، قام الفرنساوى وسقاه خمرا أحمر ساعده على احتمال الآلام. في تلك الأيام كنا نهرب أمام حملة الانتقام. وكان الليل مقمرا فخشيت أن يداهمونا ونحن نستريح. ناديت محمود العنبسى فجائنى يظلع في مشيته، وقلت له يذهب ويراقب الطريق من خلفنا. ولكن العقيد ، رئيس فرساني، سأله لماذا يظلع في مشيته فقال الفتى إن شوكة قد انغرزت له في باطن القدم. لم يكن ذلك وقتا مناسبا لإقامة اختبار للشجاعة ، ولكن هكذا نحن العنابسة مسكونون بهاجس البسالة واحتمال الألم البدنى. لذلك استفزه عقيد الخيل سائلا إن كان يحتمل آلام استخراجها، فقال الولد مستجيبا للاستفزاز: – ولك أن تقطعها إن شئت. أمسك العقيد بالقدم المسكينة وشقها بسكين قذرة وأخرج منها الشوكة بمنقاش صدىء. وفى الليل التهبت وتورمت، وحاول محمود أن يبقى صاحيا ويحرسنا ولكن داهمته الحمى فنام. وكان بالقرب منا مفرزة للحكومة تقوم على حراسة عالم من علماء المعادن الأوروبيين كان ينقب للغزاة عن الذهب في بطون الوديان ومجارى الأنهار بصحبة خادمه الجبلي الشديد المراس- سليمان الفرنساوى. كان عالم المعادن في حراسة مفرزة من الجند الحكومى، وحين سمع العسكر بمرورنا بتلك النواحي دخلهم الطمع، وتركوا عالم المعادن وحيدا وانطلقوا فى آثارنا وهم يحلمون بالجوائز والمكافآت. عثروا على محمود بقدمه المتورمة فداسوها له بأحذيتهم العسكرية الثقيلة ونثروها إلى شظايا من اللحم والدم والأورام، ولكنه أبى أن يفشى لهم سرنا. وعند ذلك قال له القائد انه سيطلق عيه جنوده ليفعلوا به ما يفعل الرجل بالمرأة فتنحل قواه وتتغير مشيته ويسير متهتكا كالنساء الفواجر. فعند ذلك دخل الخوف على فؤاده فافتدى نفسه من ذلك المصير وقادهم إلى حيث فارقناه، موقنا أنهم سوف لا يجدوننا، فقد كان من عادتنا سرى الليل متى كان البدر مكتملا لأن البدر-مثل شمس النهـار- لا يتستر على الهاربين. ولكنه أخطأ التقدير في ناحية أخرى، فبعد أن هداهم إلى آثارنا، صار سهلا اقتفاؤها واللحاق بنا ولو بعد حين. إلا أننا كنا أحسن حظا فقد شعرنا بهم وراءنا، وبثثنا حولهم العيون حتى قدناهم إلى بطن أحد الوديان وكمنا لهم حتى اقتربوا ولم يعد لبنادقهم من فائدة فهجمنا عليهم بالسيوف والرماح والعصي. وقتلنا قصير العمر وأسرنا من كتبت له النجاة، وكان سليمان الفرنساوى من بين الناجين. وجدته طريفا ومهذبا فصادقته. ثم أطلقت سراحه قبل بقية الأسرى وتركته يذهب إلى دار الحكومة الجديدة عند ملتقى النهرين. ولكنه عاد إلينا بعد أقل من عام . واستقر معنا حتى شهدنا-معا -الانهيار النهائي لبنية العالم. حين صرنا صديقين من جديد، قلت له أن يصنع لي سلاح النار فقال انه لا يعرف ولكنه ربما يستطيع أن يقلد كل أجزاء السلاح قطعة قطعة. وليفعل ذلك فلا بد له من مواد وآلات ومصائب كبرى يستحيل توفيرها في ذلك القفر البعيد. بعد عشرين عاما من استقراره معنا، افكاره,وبعد ان صرت قادرا على الاطلاع على عقله ومسارب ، سألته إن كان حقيقة لا يعرف صنع السـلاح، فرأيته يغضب منى. وقرأت في ذهنه اننى عجوز متوجس كثير الشكوك، فقلت له اننى لست متوجسا واننى أجرب، فحسب ، موهبتي الجديدة في قراءة الأفكار، فصدقني وسامحني. 000 وفي كل الأحوال لا ينبغي ان ننسى ان الملك دائما ضحية مستشاريه. يستطيع الصعلوك أن يقرر لنفسه، وكذلك المعدم الفقير.إلا الملك فانه لا بد أن يشاور ويستشير. لا أحد يطلب من الملك رأيا أو نصيحة، ولكن أحقر الدجالين يستطيع أن يعطى رأيه للملك ويطالبه بإتباعه… كل من عنده نصيحة مملة أو رأى سخيف يهرع به إلى الملك، ولا أحد يهرع إلى الملك ليطلب الرأي والنصيحة. باسم الحب والنصيحة تجمهر على أهلي وأخرجوني من وادي عشيب. زينوا لي أمر الفرار، وزعموا أن حملة الانتقام إذا لم تجدني في الوادي خرجت تطلبني وتركت الوادي في حاله… جادلتهم ولكن بلا فائدة… شرحت لهم خططي للدفاع عن البلد فرفضوها، وألحوا على حتى خرجت وجاءت الحملة فانتقمت من الحي والميت والجماد. عدت ورأيت الموت والخراب فأقسمت أن لا أخرج مرة أخرى وأن أموت مدافعا عن بلادي ومراقد أجدادي. ولكنهم ضنوا على بشرف الموت وراحته فتحلقوا حولي كالوباء وأغرقوني في النصائح والسماجات وقالوا يكفى الوادي ما أصابه. اذهب وقاتل خارج البلد إن كان لا بد أن تقاتل. خرجت من فردوس طفولتي وفى آثاري جيش متعطش للثأر وأمامي صحراء مكشوفة لا تصلح للقتال. ولكنني قاتلتهم من وراء كل تلة ومن فوق كل جبل ومن بطن كل وادي… قاتلت وقاتلت حتى صعدت خيولي الهضبة الحبشية ففقد اعدائي الأمل وقفلوا راجعين، أما أنا ففقدت فردوس الطيبة والوداعة الذي كان لي في وادي عشيب. واستحال بعد ذلك الرجــــوع
صديق الحلو
[email protected]
سرد جميل جميل جميل
التعليقات مغلقة.