فلستوب ..سطر جديد ؟!

0
3
عبدالله حمدوك وجانب من قيادات قوى الحرية والتغيير
عبدالله حمدوك وجانب من قيادات قوى الحرية والتغيير

تضافرت عدة أسباب فى ايصالنا لحدث محاولة اغتيال الدكتور حمدوك :

أولها: الأتفاق المعيب الذى فرضته ظروف وحدة القوى المعارضة من أجل اسقاط النظام ، والذى جعل قوى نداء السودان تتنازل عن خطها الذى يدعو الى الهبوط الناعم من خلال التفاوض مع النظام وتتفق مع قوى الأجماع التى أصرت حتى النهاية على أن النظام لن يزول الا بثورة ، وقد كان. ولهذا عندما وصل الأمر الى حد الأتفاق مع العسكر تفاديا لتصادم الفريقين المدنى والعسكرى بما لايحمد عقباه، خصوصا أن مواقف الفصائل العسكرية المتبتاينة لم يكن ليعرف فى حالة الصدام، كان لابد من حل وسط مع العمل على تلافى نقاط الضعف، أو هكذا كانت رؤية الأغلبية.

ثانيها: قصة الوثيقة الدستورية ،التى لم نعرف حتى اللحظة صيغتها الصحيحة التى تم الأتفاق عليها بالفعل. وظلت الأمور حولها “مدغمسة” دون شفافية من كلا الطرفين .

ثالثها: استمرار “قحت”، وهى تمثل الراعي السياسي للسلطة المدنية، بتناقضاتها الموضوعية حيث انها تضم أطرافا لم يجمعها غير الرغبة فى انهاء النظام وقد كان امرا لامفر منه لأنجاز تلك المهمة. وبالتالى فانها لم تستطيع أن تقدم برنامجا متفق عليه حقيقة بين جميع فصائلها وهو أمر طبيعى يعكس التباين الفكرى والسياسى بينها . هذا فى الوقت الذى لم توضع فيه صيغة متفق عليها للعلاقة بين قحت والحكومة . والدليل أن الأجتماع الذى التقت فيه السلطة بطرفيها السيادى والتنفيذى بقحت لمناقشة الأزمة الأقتصادية لم يحدث الا بعد أن بلغت الروح الحلقوم ، ثم جاء الأنقاذ فى محاولة الأغتيال التى فشلت بحمد الله.

رابعها: التلكؤ ، غير المفهوم ، فى تنفيذ المهمة عالية الدرجة بأجتثاث قوى النظام القديم المتمثلة فى كل ما يجب ان يكون بيد السلطة : بدء بالقيادات التى ظلت فى اماكنها فى أغلب الوزارات والمؤسسات وسلطة المال المتمثلة فى البنوك والشركات التابعه للقطاع العام والخاص\العام وللجيش والأمن وجبال الذهب التابعه لأفراد وميليشيات ،وفوق كل ذلك وأمره قيادات الجيش والأمن والميليشيات التى يستبدل فيها أحمد بمحمد أحمد . وعندما يخرج قانون تفكيك النظام تكون لجنة لتنفيذه بصورة تؤكد على عدم التنفيذ أو تلكئه، وهو ما حدث بالفعل.

السؤال هنا: كيف تتوقع السلطة لبرامجها ، ان كان لديها ، ان تنفذ بواسطة النظام القديم وهو يمسك مفاتيح كل ما يجعل التنفيذ مستحيلا ؟!

خامسها: وهو فى حقيقة الأهمية أولها ، السلطات التى آلت جميعها للمجلس التشريفى (!) أو بالأحرى المكون العسكرى منه . وهو امر لم يعد يحتاج الى أمثلة . يكفى فقط دور نائب رئيسه فى توجيه محادثات السلام أضافة الى دور الكباشى ، ثم رئاسته للجنة وضع الحلول للقضية رغم واحد . ومن الأمثله الصارخه ايضا ماقام به رئيس المجلس التشريفى فى لقاء نتنياهو من أمور تستوجب استفتاء شعبى وليس فقط مشاورة مجلس الوزراء والحاضنة السياسية !

سادسها: الخطأ المبدئى فى اختيار وزراء تحت مسمى “تكنوقراط ” بعد ثورة لعبت فيها السياسة الدور الأساسى . وفى حقيقة الأمر يمكن ان يلعب التكنوقراط دورا هاما ولكن تحت ادارة سياسية تقوم بتوجيههم الى تحقيق أهداف ومرامى الثورة . وليس أدل على أن التكنوقراطى بدون سياسة أو بسياسة تتناقض مع أهداف الثورة لايمكن ان يحقق المطلوب ، هو ما قام ويقوم به وزير المالية من سياسات تخدم مؤسسات التمويل الدوليه فحسب . فهو بداية يؤمن بأن الحل فى يد تلك المؤسسات ويعلم ان لها شروط ، بل وقد ذكرها ويسعى لتحقيقها وعلى راسها ازالة الدعم عن السلع الرئيسة وتعوم سعر الجنيه ، وكأنه لم “يعم ” بما يكفى!

كل هذا كان كافيا ليس فقط لما حدث من محاولة اغتيال رئيس الوزراء ، بل ولبدء تحرك الشباب المساند للثورة ضد حكومتها . بدأت مظاهرات فى عدة أحياء ومدن تطالب بحل المشاكل الحياتية اليومية بل وتطرح حلولا بسيطة وسهلة وتتعجب من فشل حكومة الخبراء فى التوصل الى مثلها وعدم قبولها مشاركة الآخرين بمافيهم قحت!

هل يعقل أن خبيرا مثل وزير الماليه لايقدر الأثر السالب من تصرفه حيال شركة الفاخر من شراء للدولار بسعر السوق الأسود ثم اغداق اكثر من ترليون جنيها عليها لتساهم فى الأرتفاعات الجنونية لأسعار العملات الأجنبية والذهب خلال ساعات؟!

لقد حدث هذا وأكثر من وزراء حكومة الثورة وصبر الثوار على كل ذلك توقعا لأصلاحات لابد منها من حكومة ظلوا يظنون انها تمثلهم ولابديل لها ولاخيار امامها غير النجاح كما عبر رئيسها أكثر من مرة ، ولكن كيف؟!

ليحدث هذا النجاح الحتمى فلابد من وضع نقطة أمام سطر ماحدث حتى الآن والأستفادة من دروسها ، ثم البدء ” على نظيف ” كما يقول أخوتنا المصريون بالتركيزعلى تحقيق شعارات الثورة ، التى وضح ان صانعيها يتمسكون بها تماما هذه المرة حتى لاتضيع أهدافها الواضحة كما حدث فى انتفاضتى 1964 و1985 اللتين لم تكتملا لصفة الثورة بسبب نجاح التفاف الثورة المضادة . واستفادة من دروس الفترة التى مضت من عمر الثورة:

أولا : لابد من توضيح ماظل خافيا ، وبالأحرى مخفيا ، عن جماهير الثورة حتى الأمس . ذلك فيما يخص حقيقة الوثيقة الدستورية التى أتفق عليها بين المكونين المدنى والعسكرى لأنها توضح اسس هذه العلاقة. فمثلا اذا اتضح ،بملايدع مجالا لأى شك، بأن هذه الوثيقة تؤكد أن الدولة السودانية تكون برلمانية فى الفترة الأنتقالية ، فان هذا يؤكد صحة ماذهب اليه الفريق حميدتى بأن مجلس السيادة مجلس تشريفى فحسب ! ويستتبع هذا أن تكون كل السلطات التنفيذية بيد مجلس الوزراء وأن يكون كل الوزراء بما فى ذلك وزراء الداخلية والدفاع تحت ادارة رئيس الوزراء.

ثانيا: اذا تم توضيح بنود الوثيقة بالصورة المطروحة أعلاه ، فان الدولة تصبح مدنية بالكامل كما ظلت حناجر الثوار تصدح ، ولايكون هناك مبرر لعدم تعامل بعض الجهات الخارجية معها لكونها ليست مدنية بالكامل . وذلك مثل ما جاء فى بعض مبررات الحكومة الأمريكية لعدم ازالة اسم السودان ، بعد الثورة ، من قائمة الدول الراعية للأرهاب !

ثالثا : وضع اسس ثابته وواضحة لكل عناصر الثورة والسلطة عن العلاقة بين قحت ومجلس الوزراء والسيادة . وذلك حتى لا يرهن الأمر للظروف والمناسبات والمزاج ، وحتى يمكن محاسبة أى من هذه العناصر حسب الأسس التى توضح بشكل قاطع دور وواجبات وحقوق كل طرف . فقد ظللنا نسمع من قحت انها سلمت برنامجا متكاملا للحكومة ثم نسمع فى اليوم التالى الحكومة وهى تنفى تسلمها ذلك البرنامج أو انها تسلمت برنامجا غير مكتمل!

رابعا: وضع برنامج متكامل من جانب قحت يشمل كل قضايا الفترة الأنتقالية فى مجالات السياسة الداخلية والخارجية والأقتصاد والأمن .. الخ معبر عن شعارات الثورة . ويتم التوقيع عليه من جميع العناصر المشاركة فى تجمع قحت أو التى توافق على ذلك البرنامج بحيث يكون من حق من لايوافق على ذلك البرنامج ان يكون تنظيمه الذى يعبر عن رؤاه المختلفة .

خامسا: اشراك جماهير الثورة فى وضع مقترحات برامج قحت وتنفيذ مايتم الأتفاق عليه مع استعادة روح الأعتصام فى الشفافية والوضوح بين قيادة قحت وجماهيرها وكذلك بين الحكومة وقحت وجماهيرها . اذ ان هذه الروح هى التى صنعت التضامن المدهش الذى تم بين عناصر الثورة وكانت نتيجته ذلك الأنتصار المبهر على النظام البائد الكريه .

سادسا : باكتمال هذه العناصر التى تصبح نتيجتها الوحدة الكاملة بين عناصر الثورة يصبح الطريق ممهدا بالكامل لتنفيذ كل شعارات الثورة بدء بكنس بقايا النظام البائد وانتهاء بالحرية والسلام والعدالة .لقد وضعت النقطة بالأمس على سطور مامضى من عمر الثورة بكل نجاحاته واخفاقاته ، فلنبدأ اليوم سطرا جديدا ينتهى بأكتمال تحقيق أهدافها . والحمد لله على سلامة من قال : امامنا أحد خيارين : ان ننجح أو أن ننجح !
عبدالمنعم عثمان
[email protected]