حادث الجنينة الدرس والامتحان

0
9
أسماء محمد جمعة
أسماء محمد جمعة

تاريخ السودان مليء بالصراعات القبلية منذ قدم الزمان، وإقليم دارفور يعتبر واحداً من أكثر الأقاليم ثراء بالصراعات، لأسباب كثيرة لسنا بمجالها، ورغم ذلك الإقليم يملك إرثاً عظيماً جداً من آليات فض النزاعات والصراعات، التي كان لها القدرة على تحقيق غرضها بشكل مذهل لدرجة إنها أحياناً تحول المتحاربين إلى حلفاء .

السبب الذي جعل هذه الآليات فاعلة هي العدالة وتحمل المواطنين مسؤولية ما يفعلون، والتمسك بالأخلاق والقيم عند معالجتها، فليس هناك أحد ينكر فعلته ولا يبرر لها أو يلتف حولها ولا أحد يساعده على هذا، ولذلك تأتي الحلول عادلة وبرؤية عميقة وتدوم طويلاً.

خلال عقود الإنقاذ حدثت تغييرات كثيرة أدت إلى شروخ كبيرة في النظام القبلي وأثرث في نفوس المواطنين، وللأسف كان خلفها عدد كبير من أبناء دارفور السياسيين الذين يسمون متعلمين ومثقفين و قد كانوا يبحثون عن السلطة والثروة بطرق غير شريفة غير عابئين بخسارة مجتمع دارفور، وبدلاً من أن يكونوا هادين لهم قادوهم إلى الضلال.

مثلما كانت شعارات الإنقاذ كلمات حق أريد بها باطل كذلك كانت شعارات أبناء دارفور التي خدعوا بها الناس، وهذا موضوع يطول الحديث عنه سنعود إليه لاحقاً، ولكنهم مع نظام الإنقاذ نشروا في مجتمع دارفور الكثير من الأمراض التي تعيق المجتمع من العيش في سلام وتحقيق التطور.

حادثة الجنينة هذه تعكس بوضوح المستنقع الآسن الذي تورط فيه أهل دارفور، مئات القتلى والجرحى الأبرياء قتلوا في لا شيء، هي (كباية قهوة) قيمتها لا تتجاوز العشر جنيهات أدت لكارثة و أزمة شلت السودان كلهُ في وقت حرج جداً، وشغلت الحكومة واضطرت رئيس الوزراء السفر إلى الجنينة برفقته عدد من المسؤولين، وهو يؤكد أن روح المواطن لم تعد رخيصة كما كانت في عهد النظام المخلوع الذي كان يسمي مثل هذا الحدث المتكرر أحداثاً عابرة فيمر مثله مثل أي حادث حركة عادي .

حادث الجنينة ليس هو الأول من نوعه، بل درس وامتحان ظل يتكرر في جميع أنحاء دارفور والسبب بذات (التفاهة) ولا أحد يستوعبه، وعليه هو يؤكد تماماً المستوى الذي وصل إليه المجتمع نتيجة تلك الأمراض التي نشرها نظام الإنقاذ والذين ساعدوه، وحقيقة هو أمر غريب جداً، فحين كان الجهل ينتشر في دارفور كان الناس أكثر حكمة وذكاء ونبلاً، لم تكن الأرض مشكلة وكان سلاطين الفور يمنحونها للناس لتعميرها، ولم تكن العروبة والأفريقية مشكلة فقد أداروا التنوع بمهارة عالية، واليوم بدلاً من أن يطور أهل المنطقة إرثهم وثقافتهم هذه تخلوا عنها بل استبدلوها بثقافة وإرث الجاهلية الأولى.

أعتقد إن أهل دارفور اليوم بحاجة ماسة إلى مراجعة أنفسهم والاحتكام إلى صوت العقل واستدعاء إرثهم القديم وتطويره، وبحاجة ماسة إلى التعايش السلمي فهم ليس لهم مفر من بعضهم، ويجب وقف المتاجرة بالعنصرية فكل الناس سواء، وقف المتاجرة بالأرض ودارفور واسعة وبحاجة إلى من يعمرها، والحياة أجمل حين يعيشها الناس في محبة وسلام وتعاون، وأصلاً لا يوجد سبب منطقي لجعل دارفور جحيماً وهي جنة تسع أهل السودان كلهم ونرجو أن يكون حادث الجنينة هذا آخر درس وآخر سقوط وامتحان عبور إلى حياة أفضل.

 

اسماء جمعة

التيار