وصف الفيلسوف الألماني، مارتن هيدغر، الغرابة بأنها ذلك الحيز المكاني الفارغ أو الخاوي الناتج من فقدان الإيمان بالصور المقدسة. فالإنسان العاجز عن الإيمان يترك غريباً في الفراغ والعدم. ولدى الفيلسوف هيدغر أيضاً هي ذلك الطابع الجوهري لوجودنا في العالم، لأننا لسنا في بيتنا بل في حالة دائمة من القلق والغرابة.
ولدى الفيلسوف البافاري شيلنغ، وهو من استمد فرويد أفكاره الأساسية منه، ثم طورها فيما بعد، أن الغرابة هي اسم لكل شيء كان ينبغي أن يظل خفياً وسرياً ولكنه مع ذلك يتكشف ويظهر.
وفي كتابه (إرادة القوة)، تحدث الفيلسوف فريدريك نيتشة، عن العدم الأوروبي وقال إن العدم يقف على الأبواب ومن ثم كانت الغرابة من كل نوع. على أن فرويد، عبر عنها بكونها مشاعر خاصة تجاه شيء معين لا يكون ببساطة غامضاً وعجيباً وعلى نحو غير عادي، بل على العكس من ذلك مألوفاً على نحو غريب، وهي تعني ظهور المألوف، على شكل غير مألوف، وكذلك ظهور غير المألوف في سياق مألوف وهي حياة الموت أو موت الحياة، سعادة الحزن أو حزن السعادة ووجود الفقد أو فقد الوجود.
ولكني أرى أن الغرابة، تأتي من ذلك التراكب وليس التركيب الذي يحدث بين القديم من الأفكار والصور، والمعاني والمباني، وبين الجديد منها، فيتعايشان سوياً ويندمجان ويتماهيان، وبذا يجمع المألوف بغير المعتاد في سياق واحد ويتمازجان، كتمازج الراح بالماء والهواء بالنسيم.
والغرابة كلمة مزدوجة الطابع، متعددة المعاني ومن ثم فإنها أيضاً، في جوهرها كلمة غريبة وتستخدم لوصف أنواع شتى من ضروب الحياة والطبيعة، وظواهر الفن، والثقافة، والفكر، والأدب، والشعر، والموسيقى والتمثيل.
وعندها تبدو الدمى والآلات، وكأنها محركة بواسطة أرواح حية، وعندها تظهر الصور الشخصية واللوحات والبورتريهات، وكأنها مفعمة بحياة مخيفة زاخرة ومعربدة وضاجة بالحياة، وعندها يمكن قراءة أفكار الآخرين وتكون عقولهم قادرة على تحريك الأشياء وفعل أي شيء خارق ومتجاوز للطبيعة.
الجريدة