الخرطوم: عمار حسن
الحلقة الثانية
استضافت صحيفة (التيار) عبر منتداها الأسبوعي (كباية شاي) نائب رئيس حزب الأمة القومي، مريم المنصورة الصادق المهدي، التي تحدثت في العديد من الجوانب وتناولت قضايا الراهن السياسي، كما تطرقت المنصورة لبداياتها في مجال الطب، ثم انتقالها إلى القتال في جبهة الشرق عقب انقلاب الإنقاذ سنة 1989، مشيرة إلى أنها كانت ترفض بشكل قاطع مؤسسة الزواج التي وصفتها بـ(المقيدة)، وقالت إن حزبها تجاوز الخطاب الهتافي لأنه لا يأتي بالانتفاضة، مؤكدة التزامهم وتمسُّكهم بخارطة الطريق التي طرحتها الآلية الإفريقية رفيعة المستوى.. وإلى التفاصيل.
مستعدة للاعتقال
الفكرة ألا أتكلم عن مبررات أو تفسيرات وإنما كانت الفكرة الأساسية هي تخويفنا من العودة بصورة أساسية، وفيها تهديدات بصورة مباشرة وغير مباشرة وهذا هو السبب الذي دعاني إلى كتابة الرسالة التي وجهتها للناس قبل عودتي، ودعاني أن أضع الأحباب والحبيبات في الصورة لحظة بلحظة، وكنت على استعداد أن يتم القبض عليّ من قبل السلطات عند نزولي من الطائرة مثلما فعلوا من قبل.
صرف الأنظار
أعتقد أن صرف القصة عن موعد عودة الحبيب الإمام، مثلما قيل، غير صحيح، ومن الناحية الأخرى الأحباب هنا من قيادات وكوادر حزب الأمة وقيادات نداء السودان وقوى الإجماع والمجتمع السوداني العريض قرروا أن يكون هناك استقبال في المطار وتعرَّضوا لتهديد كبير لكنهم لم يستجيبوا له، فتم الحشد وتم التواجد في المطار، هنا لمحاولة صرف الأنظار لأنني ذهبت بعربة رئاسية، الشخص الذي ذهبت معه هو شقيقي وكان في وسط قيادات الحزب ولم يكن لوحده، ومن هناك ذهبنا مباشرة للدار وعملنا مخاطباتنا كاملة، بالتالي نحن موقفنا كامل. موعد عودتي كان يوم الجمعة وفي يوم الخميس تم فتح بلاغات وتحريك أمر قبض ضد الإمام وآخرين، أنا موقعي في نداء السودان كنائب للأمين العام توقعت أن أكون ضمن الآخرين. حقيقةً محاولة صرف الانظار عن التراجع الذي تم من قبل السلطات كأنما حصلت مشكلة من قبلنا هو المذهل بالنسبة لي، كما قلت لكم.
ملابسات الترتيب
عندما جئت وجدت قيادات الحزب في هذا الشكل واعتبرت أنه الترتيب الذي رتب له وذهبنا الى الدار، صحيح لم يكن لي علم بالحشود الموجودة خارج المطار واتضح الأمر بصورة تفصيلية عندما التقينا في الدار مشكورين بالأخوة في دائرة الإعلام نظموا مؤتمرا صحفياً في اليوم التالي مباشرة لنشكر الناس ونوضِّح الملابسات التي حدثت، وهذا شيء يجب أن نقف عنده وهو (جرجرتنا كلنا) لإحداث المزيد من الغضب، وأقول أن الفترة الفائتة من الفترات التي تقيضت لي كناشطة في العمل السياسي وعندي اتصال بعدد من السياسيين داخل وخارج السودان، نحن محتاجون ?نقعد قعدة أساسية? مع أنفسنا لنخرج من حالة الغضب، أخطر ما نعاني منه الآن كدولة حالة غياب الوعي للغضب ورد الفعل، والأخطر من ذلك أننا لا ننظر إلى المستقبل وعندما ننظر له، ننظر له كأنه مرسوم لنا من قبل آخرين، وليس غريباً أن يرسم الآخرون للسودان لأنه دولة مهمة من ناحية الموقع والموارد وكل شيء، الغريب أننا غير مشغولين بهذه القصة، لذلك كنت لا أحب أن أتحدث في الإعلام ليس شكاً في الأحباب الإعلاميين والصحفيين لكن أشعر أننا يتم جرنا لاستغضاب أنفسنا ونبدو أننا كصفوة وسياسيين أمام الرأي العام غير مشغولين بقضايا المواطن الذي لا يستطيع أن يوفر حاجاته الأساسية، نحن نسعى للاشتراك في قانون الانتخابات والمناصب الوزارية وكل القيادات تسيء للآخر، هذا الشيء خطر علينا كلنا وإذا استمرت حالة الغضب هذه ستكون خطراً على وجود السودان نفسه، نريد أن يكون الفعل الثوري الذي ندعو له في التفكيك للغضب والتمكين لما هو صحيح ولابد أن ننشغل بهذه القصة، ولابد أن ننشغل بإحداث فعل يومي فيه مخاطبة الحاضر وبعث أمل بصورة حقيقية للمستقبل لا أن تكون تغريدات ليس لها محتوى.
لست وداعية
أنا لست (وداعية) لكن شاهدت جلسات كثيرة لستات ودع وفعلاً هم يعرفون أشياء كثيرة، صحيح أن علم الغيب هو عند الله وهناك من يسترق السمع ويستعين بالجن وشيء من هذا القبيل، لكنني أرى قصة الودع أكثر تعبيراً عن أزمة الشخص وكلما كان مأزوماً وخائفاً يؤمن بهذه الأشياء أكثر ، أنا من الناس لم أدخل نفسي في هذه الأشياء منذ وقت مبكر من مرجعية إيمانية وفي الحقيقة ليس لدي وقت لهذه الأشياء، الوضع الراهن لا يحتاج إلى (وداعية) وإنما يحتاج إلى خروج من حالة الطمع والخوف وترقب المستقبل بحذر وجلوس الناس مع بعضها بصورة هادئة ويخرجوا من حالة الغضب ويخططوا للمستقبل وبهذه الصورة نستطيع أن نفعل شيئاً، نلاحظ أننا جميعاً مقرون بصورة متواطئة مقصودة أو غير مقصودة في أننا نكون في حالة اشتباك مستمر، الحكومة مصرة بعد 30 سنة على القول أنها الوحيدة على حق وأن البقية مجرمون وعملاء ونجدهم بعد فترة يجلسون مع نفس الذين وصموهم بالعملاء، ونحن الآخرون نعرف أن الحكومة عندها مشاكل ونقوم بتجريمها وفي نفس الوقت مقررون أن نواجهها بندوة أو بيان وكلام عنيف، لكن بعد ذلك الذي يحصل للشعب السوداني لا يحدث فيه تغيير وهذه حالة الاشتباك المستمرة التي ليس لها أفق .. لابد أن نقرر قراراً حاسماً أن ننهيها لأن الوضع أصبح لا يحتمل، الحلول واضحة وتكمن في أن الناس الحاكمين ما قادرين وأن نشتمهم هذا لا يحلنا ونحن موجودون لم يزيلونا، نحن لسنا خونة ولا عملاء ولا الكلام الذي يقولونه عنا، الكلام الذي نتحدث عنه باستحقاقاته هو المخرج الحقيقي وإذا لم نتمكن من تحقيقه لا نستطيع أن نتحكم في الخطر لما سيحدث للسودان، حالة اليأس مع انسداد الأفق والغضب لا يمكن أن نعرف السيناريوهات التي تأتي بعدها، لذلك وضعنا لا يحتاج إلى وداعية وإنما يحتاج لموضوعية والاستفادة من كل تجاربنا ومقدراتنا في زمن قليل جداً متاح لنا في أن نتحكم في الأمور لصالح التحول الإيجابي وإلا سيصبح الندم على الكل.
سيناريوهات العودة المحتملة
السيناريو الأول عودة الحبيب الإمام واستقباله ومواصله عمله بصورة طبيعية من داخل السودان مثل كل مرة ونواصل عملنا في أن نحدث تغييراً لصالح التحول الديمقراطي الحقيقي والسلام العادل الشامل بالوسائل السلمية أو يعتقل عند عودته في أية مرحلة من المراحل وندخل في مواجهات وقررنا أن تكون مواجهات قانونية ومدنية، والاحتمالات بين هذين السيناريوهين كلها واردة.
نجاح أمبيكي رهين بوضع الطرفين
الوسيط هو وسيط ليس بوسعه الكثير، وإذا الأطراف التي يتوسط بينها لم تكن مستعدة وملتزمة في إيجاد حل ليس بمقدوره أن ينجح. بالتالي ثامبو أمبيكي هو رهين بوضع الأطراف، صحيح الآن حدثت حوارات بين قوى المعارضة والنظام في برلين وأديس أبابا والدوحة وجنوب أفريقيا هذا كله من أجل الشعب السوداني، إذا لم تكن هناك إرادة سياسية خاصة من قبل الحكومة والمؤتمر الوطني وأجهزته ستكون كل هذه الجولات من التفاوض مجرد سياحات سياسية. المسألة الأساسية هي في السودان هنا وفي الإرادة السياسية التي هي حتى الآن يلتبسها الكثير من الغموض وهذه مسألة مؤسفة لأنه واضح لكل الأطراف أنهم لم يستطيعوا أن يزيلوا بعضهم البعض وأصبح العالم كله مهتماً ليس لإحداث سلام فقط وإنما إهتم بالمليوني نازح في المنطقتين وأكثر من مليوني نازح في دار فور واللاجئين السودانيين في المناطق المحيطة بنا المتأثرين بالنزاعات المباشرة ويزيد عددهم عن ستمائة ألف، ويجيء الاهتمام بهم لأن سياسييهم لا يريدون أن يجلسوا على الأرض ويجدوا لهم مخرجاً ، هذا خطر حقيقي وخطر كبير، المشكلة الأخرى هي أن نستمر في حالة الاشتباك هذه وتفوت علينا فرصة حقيقية ونكتشف فيما بعد صراعات جديدة، صحيح حصل إسكات لشكل صراعات كانت في السابق عبر إستعمال آلة رادعة وقوات تم توفير الكثير لها من ميزانية الدولة لكن هذا قد يحدث شكل صراعات جديدة حتى من داخل هذه القوات نفسها، بالتالي الشيء الذي حدث ليس فيه نجاح لطرف محدد ، وإنما فيه فشل كامل لشعب أصبح يعاني ويفقد الأمل يوماً بعد يوم في قياداته السياسيىة.
اتفاقات غير مجدية
لا أدري من هو السياسي الذي قال أن مريم, أكبر حجر عثرة أمام أي إتفاق سلام بين الإمام الصادق المهدي والحكومة، نحن ليس لدينا نجاح في أن نزيد فعل التغابن في السودان أو حجر عثرة للسلام، أما طريق المقايضات السياسية والصفقات التي هي فوق مصالح الناس هذه لا تحتاج مريم أو غيرها، وهي غير مجدية وتأتي بغبن وانتكاسة أكبر لأن شكل الأمل يكون ضعيفاً في إحداث التغيير، لا أدري من الذي يقول هذا الحديث ولا أستطيع أن أرد على مجهول، لكن أقدر أقول بالتزام قاطع أنني مع قرار حزبي الذي شاركت في صنع مؤسساته وهو أننا من أجل سلام عادل شامل وتحول ديقراطي ومن أجل سوداننا وإحداث حوار باستحقاقاته من أجل الذهاب إلى فترة انتقالية نستطيع في نهايتها أن نتكلم عن كيفية التداول، لكن الحديث عن أن يتفق الناس ويعملوا صفقات بالليل ناهيك عن استقامة أخلاقيتها لكن هي فعلياً وعملياً غير مجدية وفاشلة.
حالة اشتباك
لم أقل أن الكلام انتهى وقته، الكلام لابد منه فالناس يفهمون بعضهم ويتواصلون به، قلت لابد أن نقرر قراراً حاسماً لإنهاء حالة الاشتباك المستمر من غير جدوى ومن غير تحقيق تطلعات الشعب السوداني، وأفتكر في مقدور القوى السياسية كلها أن تقرر هذا القرار في أن يكون هناك اشتباك إلى ما لا نهاية، وأن أكون مبسوطة وأقول أنا شتمت (ناس المؤتمر الوطني) وأكون سعيدة لهذا الفعل، وهذا النوع من الأفعال التي تشعرنا كأنما عملنا عملاً كافياً، ولابد من إعادة النظر في هذا الأمر بصورة استراتيجية: أن نحسم هذا الأمر خلال هذه السنة في شكل عمل، فيما يخص الهبوط الناعم لا أدري كيف تحولت هذه الكلمة إلى شيء منبوذ وغير مطلوب لأن أية طيارة تتطلب هبوطاً ناعماً وليس خشناً ، فالهبوط الناعم لأي شيء فيه مشكلة أو في شكل كارثة هو المطلوب حتى لو بأبخس الأثمان وأكثر أمنا من الطرق، أما ربطها بأن الحبيب الإمام يريد أن يدخل الحكومة نقول هذا الكلام ونزيده ونعيده الإمام هو رئيس وزراء شرعي منتخب للسودان الموحد بشكله الكامل، نحن لا نريد أن نستخدم شرعية الإمام لنوجد بها مكاسب للحزب، ونتكلم عن شيء لتأمين الوضع في السودان، الإمام غير محتاج ولا يريد أن يدخل إلى الحكومة في شكلها الحالي وعرضت عليه عدة مرات، نحن حزب نريد أن ندخل الحزب باستحقاقه وهو حوار تشرف عليه وتدخل فيه كل القوى السياسية المجتمعية السودانية أو انتخابات حرة نزيهة وعادلة، نريد أن نعرف شكل البرنامح الذي نحتاجه للسودان، إدارة التنوع وإزالة الغبن، بدء الحلول الاقتصادية الصحيحة، عمل تنمية متوازنة، تحقيق العدالة الانتقالية، وغيرها من القضايا البرامجية التي نتفق عليها وبعد ذلك من السهل أن نجد من ينفذها.
المدارية + التيار