قضية شجر الصندل.. الحكاية انتهت والمتهمون براءة..!

0
396

أسدلت محكمة الفساد والمال العام الستار على قضية سرقة شجرة الصندل المثيرة للجدل وبرأت مدير الهيئة القومية للآثار والمتاحف وثلاثة آخرين من اتهامات خطيرة تتعلق بقطع وسرقة شجرة صندل باهظة الثمن من حديقة متحف السودان القومي منذ أربعة أعوام لضعف البينات وعدم كفاية الأدلة. وضجت المحكمة بالبكاء والتهليل والتكبير من المتهمين وذويهم فور النطق بالحكم.
وقال القاضي فهمي عبد الله في حيثيات قرار تبرئة المتهمين الأربعة في جلسة حاشدة امتدت لأكثر من ساعة أمس: “ثبت للمحكمة أن الشجرة ليست أثراً وأن البينات لا ترقى لإدانة المتهمين”. وحمل القاضي إدارة البساتين مسؤولية توفير الحماية للشجرة، بجانب عناصر شرطة السياحة المناوبين عند وقوع الحادثة وقال: “إن مدير الهيئة ليس مسؤولا عن دخول وخروج الشجرة بل تقع المسؤولية على شرطة السياحة وإدارة البساتين وأن المدير ليس مؤتمناً عليها بصفته الاعتبارية بالتالي لا يعد خروج الشجرة أو قطعها تحت مسؤوليته المباشرة حسب القانون”.
وساق القاضي جملة ملاحظات على سير القضية بينها بطء التحريات وتقاعس شرطة السياحة في واجباتها وانتقد ما وصفه بالإهمال المتعمد والتقصير الإداري من إدارة المتحف لتجاهلها إجراء تحقيق فوري بعد اكتشاف الحادثة ولفت إلى وجود خلل من سلطات الغابات بولاية الخرطوم لجهلها بوجود الشجرة مثار القضية وعشر شجيرات أخريات. وأمر القاضي مخاطبة سلطات الغابات لرعاية شجيرات الصندل.
تقرير: إنعام آدم
حضور باكر
حرص الجميع من ذوي المتهمين والصحفيين على الحضور مبكراً لمباني محكمة الفساد خاصة وأن الجلسة حدد موعد عقدها في العاشرة صباحاً.. كما ظهرت علامات التوتر على الجميع خاصة وأن القضية أخذت صدىً إعلامياً كبيراً وشغلت الرأي العام، خاصة عندما أثيرت لأول مرة وعلم الرأي العام بوجود شجرة صندل بالسودان بالأخص أن الصندل يعد من الثروات القومية لدولة الهند ويمنع تهريبها خارجاً.
نهار محتشد بالدموع
أختلطت دموع الفرح والحزن عقب صدور قرار براءة المتهمين وخرج الجميع من القاعة والكل يعانق الآخر في مشهد حزين يعبر عن فرحتهم بالبراءة، مشاهد حزينة أبكت الحضور.. مشهد متهم يعانق زوجته ويمسح دموعها التي سالت على خديها وسماع بكاء ونحيب حتى الرجال تراهم يذرفون الدموع.. ولم نستطع تفسيرها.. هل هي دموع الفرح بالحكم.. أم دموع الظلم للشهور التي قضاها المتهمان الأول والثاني داخل الحبس.
يسألونك عن الشجرة
في جلسة استغرقت ساعة تقريباً اكتظت القاعة بالحضور حتى دعا الأمر القاضي المشرف على محكمة الفساد ياسر بخيت بتوجيه الشرطة لجلب مقاعد إضافية داخل قاعة المحكمة حتى يجلس الجميع.. وعقب تنظيم الحضور تلا قاضي المحكمة فهمي عبد الله حيثيات القرار معرفاً شجرة الصندل بإنها نبات طفيلي، يتراوح ارتفاعه بين 8 – 10م، يتطفل على الأشجار القريبة فيتعلق عليها، و تقطع الشجرة منها بعد مرور عشر سنوات على نموها، ويستعمل جوفها الأصفر البني لصناعة خلاصة الصندل بالتقطير، فيدخل زيت الصندل في الكثير من الاستخدامات التجميلية والصحية وتعتبر ثروة قومية، وأضاف قاضي المحكمة بأن الشجرة موضوع البلاغ تعتبر أقدم شجرة صندل في السودان تمت زراعتها في خمسينيات القرن الماضي بواسطة أمين مخائيل وهو عالم من علماء تصنيف الأشجار ومعها أخرى بالحديقة النباتية آنذاك ووفرت لها الظروف الملائمة حتى جعلتها تنبت حيث وصل قطرها إلى “330”سم وطولها يتراوح ما بين “5-6” أمتار.
تفاصيل الحادثة
أشار قاضي المحكمة إنه في العام 2014م أبلغت شرطة السياحة والتراث القومي بقطع شجرة صندل من المتحف وتم استخدام آلة ذات وتيرة يرجح إنها منشار في عملية القطع.. وقام الجناة بتقطيعها إلى أجزاء.. وبعد عودة الموظفين بالمتحف في اليوم التالي للحادثة لاحظ الجنايني عدم وجود الشجرة في مكانها.. وقام باستفسار مدير البساتين وأمينة المتاحف وعم الخبر وكانت رائحة الصندل تعطر المكان بشكل ظاهر وتم إبلاغ مدير شرطة السياحة الذي قام بتوجيه فتح بلاغ.. وتم استجواب العاملين وأخذ جزء من الشجرة المتبقية كعينة لإجراء الفحص والتأكد من إنها صندل.. كما اكتشف لاحقاً بأن هناك شجرة صندل أخرى تم قطعها مسبقاً ودون بلاغ بنيابة حماية المستهلك ورفعت الحصانة عن قوة الشرطة التي كانت في الخدمة وتم التحقق معهم ومع العاملين وتم ضم البلاغين.. وبعد التحقيق أوصى وكيل النيابة بتاريخ 19/1/2016م بإحالة البلاغ لنيابة الأموال العامة باعتبار الشجرة تراثاً.. واستجاب النائب العام وتمت إحالة البلاغ وقامت نيابة المال العام بفتح التحري.. و بتاريخ 1532018م وجهت النيابة اتهامات للمتهمين وفصل الاتهام في مواجهة متهم آخر وبتاريخ 652018م مثل المتهمون أمام المحكمة واستمعت إلى قضية الاتهام وقضية الدفاع.
‏ هل تعد شجرة الصندل أثراً؟
طرح قاضي المحكمة سؤالين في حيثات القرار.. هل الشجرة صندل؟.. وهل الشجرة اُثر؟.. وجاءت الإجابة من خلال افادات المتحري مساعد شرطة ميرغني عبد الله بأنه خاطب هيئة الغابات والتي بدورها أكدت بأن الشجرة شجرة صندل.. كما و أن المختبر الجنائي أثبت بأن الشجرة التي تمت سرقتها هي شجرة صندل تمت زراعتها في السبيعيات بواسطة شخص يدعي أمين ميخائيل.. فيما أكدت شاهدة الاتهام سمية عمر بأنها أخذت عينة من الشجرة بعد قطعها.. وشاهد اتهام آخر أكد بأنه كان يعلم بوجود الشجرة التي زرعت بواسطة ميخائيل بعد أن تم جلبها من الهند.. وقالت المحكمة إن هذا لا يدع مجالاً للشك للإجابة على السؤال بالإيجاب.. وأن الشجرة صندل أما الإجابة على السؤال الثاني.. إن كانت الشجرة أثراً.. توصلت المحكمة من خلال البينات بأن أي شيء خلفته الحضارات ويرجع تاريخه لمدة مائة عام يجب حفظه.. وهنا الأثر لا ينطبق على الشجرة بمجرد وجودها داخل المتحف.. وتصبح الإجابة على السؤال المطروح بالنفي.
‏المحكمة تناقش عناصر الاتهام
ناقش قاضي المحكمة عناصر مواد الاتهام الموجهة للمتهمين الأول والثاني والثالث والتي تتعلق بنصوص المواد “21/174” من القانون الجنائي والمادة “40” من قانون الغابات.. وطرحت المحكمة سؤالاً إن كان قطع الشجرة بدافع السرقة.. وثبت للمحكمة إنه لا يجوز لأي شخص قطع أية شجرة نامية واستهلاكها إلا بتصريح من المدير العام للغابات أو من ينوب عنه، وهل قام المتهمون بالاشتراك في قطعها دون تصديق؟ تجد المحكمة بأنه لا خلاف بأنها شجرة وكان لا بد من الحصول على تصديق وفق قانون الغابات والمواد من “1-3” .. وقد ثبت للمحكمة بأنه لا يوجد دليل على أتفاقهم على قطعها وأشار القاضي بأن هناك شاهد اتهام جاءت أقواله مختلقة ومرتكبة أراد بها إغلاق القضية ولا شك بأن قضية الصندل أصبحت قضية رأي عام.. كما وأن حضور المتهم الأول في غير يوم عمله هذا لا يدع مجالاً للشك فيه.. كما لا توجد علاقة بين المتهمين الأول والثاني والثالث بجانب وجود علاقة صداقة بين الأول والثاني وتأتي الإجابة على الأسئلة المطروحة بالنفي وشطب التهم الموجهة ضدهم.
حيثيات اتهام مدير الهيئة
وأضاف قاضي المحكمة بأنها وجهت اتهاماً تحت المادة “177” للمتهم الرابع والتي عرفها القانون في الفقرة “1” بأنه يعد مرتكباً جريمة خيانة الأمانة من يكون مؤتمناً على حيازة مال أو إدارته ويقوم بسوء قصد بجحد ذلك المال أو امتلاكه أو تحويله لمنفعته أو منفعة غيره أو تبديده أو التصرف فيه بإهمال فاحش يخالف مقتضى الأمانة بالإضافة إلى إذا كان الجاني موظفاً عاماً أو مستخدماً لدى أي شخص أؤتمن على المال بتلك الصفة، يعاقب بالسجن مدة لا تجاوز أربع عشرة سنة مع الغرامة أو بالإعدام، وتجد المحكمة بأن الإدارة العامة للآثار والمتاحف سلطة عامة أنشأت بموجب قانون هيئة المتاحف ووفق المادة “3” .. وأن المتهم الرابع موظف عام والمادة “13” من قانون الآثار والمتاحف عرفت المهام التي تتعلق بالآثار والإشراف عليها وتندرج تحت إشراف المدير العام.. ونجد المتهم مسؤولاً عن “13” متحفاً بالسودان وتوجد ثلاث أمانات بكل متحف واتضح بأن الشجرة ليست أثراً ونجد بأن إدارة البساتين هي المسؤولة وتقع مسؤوليتها المباشرة على إدارتها ومنسقو الحديقة “الجناينية”.. ومدير المتحف ليس مسؤولاً وليس مسؤولاً عن خروجها أو دخولها بل الشرطة وليس مؤتمناً بصفته مدير عام على الشجرة بل إدارة البساتين والشرطة المناوبة.. كما لم تخرج الشجرة بتقصير من المدير العام وليس مؤتمناً عليها.
‏بعد المناقشة
بعد مناقشة عناصر الاتهام الموجهة للمتهمين الأول والثاني والثالث بالاشتراك الجنائي والسرقة ومخالفة المادة “40” من قانون الغابات ومناقشة المادة “177” المتعلقة بخيانة الأمانة والإهمال الفاحش في مواجهة المتهم الرابع لم تجد المحكمة أية بينة كافية لإدانتهم وأعلنت براءتهم وشطب الاتهام في مواجهتهم وإطلاق سراح المتهمين الأول والثاني من الحبس فوراً ما لم يكونا مطلوبين في إجراءات أخرى.
‏هوامش على المحضر
بعد تلاوة قرار الحكم قال دون قاضي المحكمة عدة ملاحظات ونقاط ظهرت من خلال المحاكمة.. حيث كشفت إجراءات الدعوى بطأ في التحري فيما تبين بأن شرطة السياحة في العام 2016م قامت بالإجراءات الصحيحة واتضح أيضاً من الدعوى تقاعس شرطة السياحة في إدارة واجبها وكشف إجراءات الدعوى أهمال متعمد بواسطة المتحف والتقصير الإداري حيث لم يتم عمل تحقيق فوري عند وقوع الحادثة كما تبين أيضاً عن وجود خلل في غابات ولاية الخرطوم وعدم علمها بالشجرة ووجود “10” شجرات صندل أخريات وأمر القاضي بمخاطبة الهيئة العامة للغابات لرعاية شجر الصندل.
التيار

1 تعليق