الوضع خطر!

0
9

أسماء محمد جمعة

أزمة الخبز الحالية أطلت برأسها قبل فترة ليست بقصيرة من هذا العام، فترة تكفي لحل أعقد المشاكل إذا كانت الحكومة تتعامل بعلمية وأمانة مع الأزمات وتُعالج الأخطاء بنكران ذات، ولكن استمرارها يُؤكِّد تكرار الأخطاء والإصرار عليها، فهي لم تبدأ أزمة وإنّما تطوّرت من مُشكلة سهلة الحل.

بالأمس صَرّحَت الحكومة أنّ الدقيق متوفر والوضع مُطمئنٌ، ولكن الواقع يؤكد أن الأزمة توشك أن تصبح كارثة أمن غذائي، أزمة الخبز ستكون جُزءاً من أزمات كثيرة ستتضافر معاً ليصبح الأمر كارثة، أي أنّ الوضع ليس غير مُطمئن فقط، بل خطر عديل.

لقد فشلت الحكومة منذ العام الماضي من أن توقف ارتفاع سعر (الرغيفة) الذي وصل الآن إلى جنيه بعدما كانت عشر (رغيفات) بجنيه، والفشل سببه لا يخرج عن كونه سُوء تدبير وتقدير بفعل سياساتها، بالرغم من أنها تعرف تماماً مدى خُطورة مثل هذه الأزمة، ورغم ذلك لا تقول الحقيقة وتصر على تلوين الحقائق وتُصرِّح بأن الوضع مطمئنٌ!

هذه الأيام الأزمة تفاقمت أكثر، أصبح المواطنون يصلون الصبح أمام المخابز وبعضهم يخرج من الجوامع إلى المخابز، بل أصبحت هناك مشكلة في الصفوف نفسها التي تحوّلت إلى ساحات قتال من كثرة احتكاكات المُواطنين (الروحهم مُحرِّاقهم) من كثرة الأزمات.. الاحتكاكات وصلت حدّ السَّباب والتضارب بالأيدي والطعن، والآن وأنا أكتب في هذه السطور هناك معركة حامية تدور رحاها في الفرن القريب من منزلنا تم حلها (بيا الله).. أزمة الخبز التي يُواجهها السودان اليوم ليست عابرة، وهي أزمة ظلت تتكرّر كثيراً وتحلها الحكومة بنظرية رزق اليوم باليوم، تُعالج العرض وتترك المرض، والآن ليس لديها برنامج دائم يحمي البلاد من وقوع أزمة الخبز وتكرارها في الحاضر والُمستقبل، فإنتاج السودان للقمح ما زال يغطي حوالي 30% تقريباً من الاستهلاك المحلي ويستورد الباقي، تارة دقيقاً جاهزاً وتارة أخرى قمحاً  يُطحن هنا، وحتى عملية الاستيراد نفسها يبدو أنها تتم بناءً على مصلحة السودان أخيراً.
السودن يعتبر واحداً من الدول التي يصلح مناخها تماماً لزراعة القمح، بدليل أنه ينتج كمية تساهم في الاستهلاك المحلي، وبدليل مزارع الراجحي التي أنتجت كميات ضخمة من القمح، حين رأينا صورها المهيبة، ظننا أنّها في إحدى أكبر الدول إنتاجاً للقمح في العالم.
السؤال الذي يفرض نفسه لماذا لا تزرع الحكومة القمح في السودان وتمزِّق فاتورة الاستيراد وتُصدِّر للعالم؟ لا أعتقد أن هناك سبباً منطقياً يمنعها من أن تفعل، غير أنها لا تريد للسودان يكتفي ذاتياً أو يكون دولة مُنتجة، لأنّ أية أزمة تخدم لها أغراضها، فما يعوق زراعة القمح الآن هو عدم جدية الحكومة، وعدم رغبتها في توفير الإمكانات وتطبيق السياسات الواضحة بزراعة القمح، وعدم تطبيق برنامج من أجل الاكتفاء الذاتي.
لا شك أنّ أزمة الخبز غير عادية، وما يحدث في السودان اليوم يمكنه أن يهز كيان أية حكومة في العالم، ولكنه حتى الآن لم يهز شعرة من رأس الحكومة!! فما زالت تكذب الواقع وتُبرِّر له بمُنتهى البرود، وستظل تفعل هذا حتى نجد أنفسنا أمام مجاعة طاحنة تهلك المُواطنين!! أما هي فلديها ما يكفي من أطواق النجاة صنعتها من أزمات السودان وشعبه.!

الكاتبة الصحفية أسماء محمد جمعة
أسماء محمد جمعة

التيار